الانقسام الذي يهزّ إسرائيل من الداخل: صراع نتنياهو والأمن الداخلي بعد قمة السلام وتبادل الأسرى
.فرحه الباروكي
22 أكتوبر، 2025
تقارير وتحقيقات
عدد المشاهدات 5371 198
تقرير : علياء الهواري
بينما كانت الكاميرات تُسلّط الأضواء على قاعة قمة شرم الشيخ، التي جمعت مصر والولايات المتحدة وإسرائيل وعدداً من الدول العربية تحت شعار “خطوات السلام والاستقرار في المنطقة”، كانت خلف الكواليس إسرائيل تعيش أزمة داخلية عميقة تهدد استقرارها من الداخل أكثر مما تهددها الصواريخ من الخارج.
ففي الوقت الذي حاول فيه بنيامين نتنياهو تقديم نفسه في القمة كرجل سلام قادر على قيادة “اليوم التالي للحرب على غزة”، كانت المنظومة الأمنية في تل أبيب، وعلى رأسها جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، تخوض مواجهة صامتة معه، متهمة إياه بتسييس الملفات الأمنية واستخدامها لتلميع صورته أمام العالم بعد تراجع شعبيته وتزايد الغضب الداخلي ضده.
القمة التي استضافتها مصر جاءت لتؤكد مجددًا دور القاهرة المركزي في استعادة الاستقرار الإقليمي، وخصوصًا في ملف غزة وتبادل الأسرى.
لكن في المقابل، عكست القمة صورة مرتبكة للوفد الإسرائيلي، الذي دخلها منقسمًا بين أجندة نتنياهو السياسية ومخاوف الأجهزة الأمنية من تبعات أي التزامات قد تقيّد حركة الجيش في غزة.
مصادر إسرائيلية تحدثت لوسائل إعلام عبرية عن “توتر مكتوم” داخل الوفد المشارك، بعد اعتراض مسؤولين أمنيين على بعض التعهدات التي قدمها نتنياهو خلال اللقاءات الجانبية مع الجانب الأمريكي والمصري، معتبرين أن تلك الوعود “تتجاوز صلاحياته” وتهدد الأمن القومي الإسرائيلي.
وقال أحد كبار المسؤولين الأمنيين السابقين: “نتنياهو يتصرف كسياسي في أزمة، لا كقائد دولة في حرب، ويحاول أن يشتري الشرعية الدولية بأي ثمن حتى لو على حساب الأمن الإسرائيلي.”
منذ انتهاء القمة، تصاعدت حدة الخلاف بين مكتب رئيس الوزراء وجهاز الشاباك، خاصة مع محاولات نتنياهو فرض وصايته على بعض الملفات الأمنية الحساسة التي كانت تخضع تقليديًا لإدارة الجهاز بشكل مستقل، مثل ترتيبات الأمن في غزة بعد الانسحاب الجزئي، ومتابعة تنفيذ بنود اتفاق تبادل الأسرى.
مسؤولون أمنيون حذروا من أن “تسييس القرار الأمني” في هذه المرحلة الحرجة قد يؤدي إلى انفجار داخلي جديد، في وقت لا تزال فيه الجبهات الشمالية على صفيح ساخن، بينما يعيش الجنوب حالة هشّة بعد الحرب.
وتسربت إلى الإعلام العبري تقارير عن توتر شخصي حاد بين نتنياهو ورئيس الشاباك، وصل حدّ تبادل الاتهامات داخل اجتماعات مغلقة، ورفض بعض الضباط تنفيذ توجيهات من مكتب رئيس الوزراء قبل مراجعة قيادة الجهاز.
هذا الصدام بين السلطة السياسية والأمنية لم يعد خافيًا على الجمهور الإسرائيلي، بل أصبح مادة يومية في الصحف والنقاشات، مما زاد من حالة فقدان الثقة بين الشارع والحكومة
أراد نتنياهو أن تكون قمة شرم الشيخ منصة لعودته إلى الواجهة الدولية بعد أسابيع من الانتقادات الداخلية، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفنه.
فواشنطن، التي دعمت القمة بقوة، مارست ضغطًا واضحًا على تل أبيب لتطبيق المراحل التالية من خطة ترمب المعدّلة، وهو ما رفضه كبار ضباط الأمن معتبرين أن “التسرّع في تنفيذ الخطة قد يقيّد الجيش ويضعف قدرة الردع”.
في المقابل، وجد نتنياهو نفسه في مواجهة ثلاثية: غضب أمريكي بسبب بطء التنفيذ، وتململ داخلي من المؤسسة الأمنية، ومعارضة سياسية تتهمه بالفشل في إدارة ملف الحرب والسلام معًا.
وقالت صحيفة “معاريف” العبرية إن “نتنياهو بات معزولًا داخل حكومته، بينما تتزايد الشكوك حول قدرته على ضبط التوازن بين الضغوط الأمريكية والانقسامات الأمنية”.
على الصعيد الشعبي، انعكست الأزمة على تراجع حاد في ثقة الإسرائيليين بالمؤسسة السياسية، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن نحو 62% من الإسرائيليين يعتقدون أن “الحكومة لم تعد قادرة على إدارة الأمن بفاعلية”، بينما يرى أكثر من نصف المستطلعين أن “الصراع بين نتنياهو والأجهزة الأمنية يضعف إسرائيل أكثر من أي تهديد خارجي”.
شهدت تل أبيب ومدن أخرى مظاهرات متكررة تطالب باستقالة نتنياهو وفتح تحقيق برلماني في طريقة إدارة الحرب وما بعدها، في حين حذر محللون من أن استمرار الانقسام قد يؤدي إلى انفجار سياسي يطيح بالحكومة أو يفتح الباب لانتخابات جديدة.
الجيش بدوره أبدى قلقًا من تراجع التماسك المجتمعي، مؤكدًا أن الانقسام الداخلي “أخطر من أي تصعيد ميداني”، وأن استمرار التوتر بين القيادة السياسية والأمنية “يُفقد إسرائيل قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة”.
من زاوية أخرى، كشفت قمة شرم الشيخ الدور المصري المتوازن بين الدبلوماسية الحازمة والواقعية السياسية.
فبينما حرصت القاهرة على تثبيت مسار التهدئة ودفع عملية إعادة الإعمار في غزة، وجدت نفسها أمام وفد إسرائيلي مأزوم تحكمه الانقسامات والضغوط الداخلية.
مصادر دبلوماسية مصرية تحدثت لوسائل إعلام عربية عن “إدراك مصري كامل أن الانقسام داخل إسرائيل قد يعرقل أي تفاهمات مقبلة”، مشيرة إلى أن القاهرة “تتعامل مع تل أبيب اليوم كدولة مزدوجة الرأس: واحدة تتحدث بلغة السلام، وأخرى تصنع أزماتها بداخلها”.
بعد قمة شرم الشيخ واتفاق تبادل الأسرى، كانت إسرائيل تأمل أن تُغلق صفحة الحرب وتبدأ في إعادة ترميم صورتها الإقليمية، لكن الواقع كشف العكس تمامًا.
فالحكومة الإسرائيلية اليوم تعيش أعمق انقساماتها منذ عقود، وصراع نتنياهو مع الشاباك لم يعد مجرد خلاف على الصلاحيات، بل صراع على هوية الدولة واتجاه بوصلتها المستقبلية.
في الوقت الذي تسعى فيه القاهرة وواشنطن إلى تثبيت ركائز سلام حقيقي، تبدو إسرائيل غارقة في صراعاتها الداخلية، بين رئيس وزراء يسعى للبقاء بأي ثمن، ومؤسسات أمنية تحاول إنقاذ ما تبقى من هيبة الدولة.
ومع كل يوم يمر، يزداد المشهد تعقيدًا: فكلما حاول نتنياهو أن يثبت للعالم أنه رجل الاستقرار، كشف الواقع الإسرائيلي أنه يقف على أرض مهتزة تهدد بانهيار سياسي وأمني من الداخل