العبادة في أشد الخطوب خطورة
محمد البحيري
15 أكتوبر، 2025
الدين والدنيا
500 201
بقلم محمد الدكروري
الحمد لله ذي الجلال الأكبر، عز في علاه فغلب وقهر، أحصى قطر المطر، وأوراق الشجر، وما في الأرحام من أنثى وذكر، خالق الخلق على أحسن الصور، ورازقهم على قدر، ومميتهم على صغر وشباب وكبر، أحمده حمدا يوافي إنعامه، ويكافئ مزيد كرمه الأوفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أناب وأبصر، وراقب ربه واستغفر، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الطاهر المطهّر، المختار من فهر ومضر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذويه ما أقبل ليل وأدبر، وأضاء صبح وأسفر، وسلم تسليما كثيرا كثيرا ثم أما بعد لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى الصلاة حينما تشتد عليه الكروب وتزيد عليه الهموم، بل تأمل كيف كانت العبادة سلوته في أشد الخطوب خطورة.
فيا أيها المسلم هل تأملت في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إن من بينهم شاب نشأ في عبادة ربه، فاستحق يوم تنكب الشمس على الخلائق فتلجمهم في عرقهم، أن يحظى بظل مميز، إنه ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، فكم للعبادة من حلاوة في قلب المؤمن يجد فيها راحته وسلوته، وكم لها من طمأنينة يجد فيها المهموم أنسه وبرد فؤاده “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” حيث تطمئن القلوب فلا تشعر بغم ولا تحسّ بهم وتشعر أن مصائب الدنيا مهما بلغت عظمتها، فإنها هينة أمام ذكر الله وسهلة تحت قدرة الله تعالي ما دمت مع الله تعبده، وترضى بقضائه وقدره، وتعلم أنه سبحانه لن يضيع صبرك ولن ينسى إيمانك، فيا عباد الله أين الذين يستلذون بعبادة الله تعالي كما يستلذ غيرهم بالطعام والشراب؟ وأين من يستلذ بمناجاة ربه وبالصدقة في وجوه الخير وبالإحسان إلى الناس.
والتخلق بأحسن الأخلاق وبكل أنواع العبادة وأشكالها المشروعة ويستلذ ويحس بطعم الحلاوة الإيمانية يسري في جوانحه ولو أجهد بدنه وترك الدنيا من خلفه وزهد في مناصبها ومتعها، في سبيل أن يتذوق طعم العبادة لربه، وقيل للحسن البصري ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ قال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره، وقال سفيان ترى صاحب قيام الليل منكسر الطرف فرح القلب، وكان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته، فباعها لقوم، فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة، فما زالت تصلي إلى الفجر، وكانت تقول لأهل الدار كل ساعة تمضي من الليل يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار صلوا، فقالوا لها نحن لا نقوم إلى الفجر، فجاءت إلى الحسن بن صالح الذي باعها وقالت له بعتني لقوم ينامون الليل كله.
وأخاف أن أكسل من شهود نومهم فردّها الحسن رحمة بها ووفاء بحقها، وكان لبعض السلف عشرة مع العبادة، حتى إنه ليذرف الدموع على فراقها إذا نزل به الموت، ولما نزل الموت بالعابدة أم الصهباء بكت، فقيل لها مم تبكين؟ فقالت بكيت حينما تذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر، بل كانوا يتهمون أنفسهم بالذنوب إذا ما أصابهم الكسل عن العبادة، وقال الثوري حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، وجاء رجل للحسن البصري قال يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك، أي إخواني متى نشعر بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى، متى نعوّد أنفسنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا، متى تحلق قلوبنا في السماء طربا وفرحا حينما نبذل الصدقة السخية لا نبالي الفقر أو المسكنة.
ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا؟ إنها العبادة عباد الله طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء، فهنيئا لنا سلوكها وتوخي طريقها، لأنفسنا وأزواجنا وأولادنا