خطبة وقاية خير من ألف خطبة علاج

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وعلى من سار على نهجه وإهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية

أن الخطيب لا شك يتحمل مسؤولة القناعات التي يخرج بها جمهوره،

معه أو ضده أو على الحياد، وبما أن الجمهور كلمته مهمة في الأحول الإستثنائية،

وبما أن الخطبة تستطيع التسلل إلى عواطف الناس وأفكارهم،

فمن المسلم به أن الخطبة لها دور مهم في صناعة النتائج التي تتمخض عنها تلك الأحوال، وهل أعجب من كلمات تقال لرجل تجعله يرمي نفسه في أحضان الموت، وموت البعض يحيي البقية ومبادئهم، حدث هذا في غزوة بدر لما دنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض” قال أنس بن مالك رضي الله عنه.

 

يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض، قال نعم، قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما يحملك على قولك بخ بخ” قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال ” فإنك من أهلها” فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل، فإنها جملة واحدة قالها الصادق المصدوق منعت الرجل من إكمال التمرات “فإنك من أهلها” والرجل يحب الجنة، فليذهب إلى حيث يحب، ولقد كانت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقة ومؤثرة، يتلقاها الصحابة على أنها قطعية ليست بحاجة إلى مقدمات منطقية، وقد سبق حديث الرجل الذي ألقى التمرات، وألقى بنفسه للشهادة، كان ذلك في غزوة بدر.

 

أما في غزوة مؤتة فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مع المجاهدين، لكن ما الذي جرى؟ وهو أن الله عز وجل أطلعه علي أحداث المعركة وكأنه صلى الله عليه وسلم كان فيها، ولئن كانت الخطبة إحدى وسائل صناعة الرأي العام فهذه ليست خطبة فحسب، إنها أشبه بخدمة البث المباشر للأحداث المهمة حيث وسائل إتصال في ذاك الزمن، ولاشك أن الإعلام المرئي والبث المباشر خصوصا أبلغ تأثيرا في الرأي العام، وهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بأصحابه لينقل لهم أولا بأول أحداث الحرب الدائرة في الشام، ولا تخصص الأقنية الفضائية جزءا من بثها المباشر إلا لما له أهمية بالغة عندها، وفي خطبته صلى الله عليه وسلم ترغيب بالشهادة وتعزية لذوي الشهداء، فلا يسرهم أنهم معنا، وفيها العواطف الصادقة التي أجرت دموعه الشريفة.

 

فهو ليس بالقائد الذي يبني مجده على جماجم جنده، بل النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم، وبدأ نزول الوحي يوما ما في غار حراء، وها هو اليوم على جبل عرفات في يوم جمعة يعلن انهاءه ” اليوم أكملت لكم دينكم” وبعدها سيكون الحدث المؤلم الذي لابد منه ” إنك ميت وإنهم ميتون” ولابد من تهيئة القلوب والعقول لذلك يقول صلى الله عليه وسلم ” لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ” وبموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقطع الوحي نعم، وسيحدث أيضا إنتقال في السلطة، سيتغير الحاكم، وعند تغيير الحكام تسيل الدماء عادة، ولكن لازال تعظيم الحرم والأشهر الحرم واقرا في القلوب عند الصحابة، وهو مما أقرّته الشريعة وطلبته وتشبيه حرمة الدم بحرمة المكان والزمان جاء مناسبا للشريحة المخاطبة وما تعظم، ثم إحالتهم إلى الكتاب ليعصمهم من الضلالة أمر مهم، ويجنبهم فتنة النزاع على السلطة، فإن خطبة وقاية خير من ألف خطب

ة علاجٍ.

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

حديث الساعة اليوم بين الشباب والفتيات

عدد المشاهدات 5371 168   بقلم / محمـــد الدكـــروري الحمد لله وفق من شاء للإحسان …