وعد بلفور.. حين خُطّت المأساة على ورقة وصارت واقعًا من دمّ
.فرحه الباروكي
2 نوفمبر، 2025
مقالات
500 161
كتبت علياء الهواري
في الثاني من نوفمبر عام 1917، لم تكن الرسالة التي كتبها آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا آنذاك، مجرد خطاب دبلوماسي قصير، بل كانت بذرةً لمأساةٍ ممتدةٍ على مدى قرنٍ كامل. وعدٌ باردُ الكلمات، لكنه ملتهب الأثر، منحت فيه بريطانيا – من لا تملك – أرضَ من يملكون، لأولئك الذين لم يكونوا فيها أصلًا.

كانت فلسطين وقتها تنبض بالحياة، تنسج نسيجها العربي والإسلامي والمسيحي المتنوع، قبل أن يهبّ الاستعمار ليخطّ على خرائطها وعدًا غيّر التاريخ ومسار الإنسانية في الشرق الأوسط.
وعد بلفور لم يكن مجرّد رسالة، بل وثيقة استعمارية صاغت ملامح الاحتلال الحديث، ومهّدت لزرع كيان غريب في قلب الأمة العربية، تحت مظلة “وطن قومي لليهود”.
منذ ذلك اليوم، بدأت فصول النكبة الممتدة: التهجير، والمجازر، وتدمير المدن والقرى الفلسطينية، حتى صار الحلم بالعودة إرثًا تنتقل جذوته من جيلٍ إلى جيل.
ومع كل ذكرى لوعد بلفور، تتجدد الأسئلة التي لم تجد إجابة حتى اليوم:
هل يمكن للعدالة أن تُقام على جرحٍ عمره مئة عام؟ وهل تكفي كلمات الاعتذار لترميم وطنٍ سُرق وذاكرةٍ أُحرقت؟
اليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على هذا الوعد المشؤوم، ما زال الشعب الفلسطيني يواجه نتائج ذلك الحبر الأسود، يقاوم محو هويته، ويتمسك بأرضه رغم الحصار والتهجير والدمار.
أما بريطانيا، فاختارت الصمت، كمن يخشى مواجهة مرآة التاريخ، تاركةً خلفها تركةً من الخراب الإنساني والسياسي ما زال العالم يدفع ثمنها حتى اللحظة
وعد بلفور لم يكن وعدًا بإنشاء وطن، بل كان إعلانًا عن بداية مأساة.
لكنه في المقابل صار أيضًا منارةً لصمودٍ لا ينكسر، لأن الشعب الفلسطيني وحده، رغم الألم، هو من استطاع أن يحوّل الجرح إلى ذاكرةٍ مقاومة، وأن يبقي الحكاية حيّة في وجه النسيان.
بعد أكثر من مئة عام، لم يَعُد وعد بلفور مجرد تاريخٍ في دفاتر الاستعمار، بل جرحًا مفتوحًا في ضمير العالم، وصرخة حقٍّ ما زالت تتردّد:
“لن يُمحى الوطن من الورق، ما دام فينا نبضٌ يقول: هنا فلسطين.”