أثار التغيرات في تركيبة المجتمع
محمد البحيري
31 أغسطس، 2025
مقالات
500 192
بقلم محمـــد الدكـــروري
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه كتب الفلاح لمن اتبعه واحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن التغيرات في تركيبة المجتمع يمكن أن تؤثر في نظرة الناس تجاه الأمور المختلفة وتشجع على التسامح أو العداء، ووفقا لتلك الملامح العامة التي تؤثر في إنتشار خطاب الكراهية أو الحد من أضراره، فقد فرّق التيار الرئيسي في أدبيات النظم السياسية والعلاقات الدولية بين عدة خطابات للكراهية يجري إستخدامها في مجتمعات متعددة، وفي ظروف وأوضاع مختلفة ومتباينة.
لضمان التفوق السياسي والإستقطاب الجماهيري من بينها هو الكراهية المضادة ويظهر هذا الخطاب بين القوى السياسية والأحزاب الحاكمة في عدة مجتمعات عربية وأوروبية، كأحزاب اليمين واليسار، ويستغل لحشد الدعم والتأييد لضمان الوصول إلى الحكم، وأيضا الكراهية الطائفية وتستخدم لاعتبارات مذهبية أو دينية في مجتمعات متعددة، وأيضا الكراهية المناطقية ويظهر هذا الخطاب التهميشي بين ساكني المناطق التي تحظى بالإهتمام من قبل الحكومات والمناطق المحرومة من خدمات التنمية، وتعاني عدة دول في القارة الإفريقية من إنتشار هذا النوع من الخطابات على المستويين الإجتماعي والسياسي، وأيضا الكراهية الحادة وتظهر في متون خطابات بعض القوى المدنية والأحزاب السياسية في القارة الأوروبية لمعاداة المهاجرين واللاجئين.
وتظهر أيضا بين العمالة الوافدة وقطاعات مجتمعية من بعض الدول المستضيفة لها، وإذ يغلب على هذا النمط من الكراهية السمة العنصرية والعرقية تجاه اللون والعرق، إلا أن الأسباب الاقتصادية قد تضغط بنحو كبير على تصاعد وتيرة هذا الخطاب، إذ تزداد كراهية المهاجرين واللاجئين في بعض الدول بتأثير التجاذبات السياسية ومزايدات السياسيين، فينظر السكان المحليون إلى هذه الفئة بوصفها سببا في إرتفاع معدلات بطالة المواطنين وعبئا على الإقتصاد أو الرخاء الإقتصادي، وإن ظاهرة توظيف خطاب الكراهية في الشؤون السياسية الداخلية أو الخارجية للدولة الواحدة، ليست وليدة للحظة الراهنة أو للتاريخ الحديث الذي شاع فيه إمكانية التوغل والإنتشار بفضل تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات، إنما هي ظاهرة قديمة قدم المجتمعات.
وقد جرى عبر التاريخ الإنساني محو العشرات من الشعوب من الخريطة بطريقة منهجية، بفضل التعبئة والحشد التحريضي، ولم تقتصر هذه الممارسات على التدمير المنهجي لمجموعة عرقية أو دينية محددة، بل كانت إحدى الممارسات الأكثر دموية وشيوعا تجاه الكثير من الفئات، فلم تكن إستراتيجية الحرب لدى الإسكندر الأكبر تعني له هزيمة العدو فحسب بل إبادة جميع المقاتلين، وتدمير ثقافة الشعوب المستهدفة ذاتها التي تجرأت على معارضة هيمنته الإمبراطورية، وهو الأسلوب نفسه المتبع عند وصول المستكشف الإسباني كريستوفر كولومبوس للقارة الأمريكية، إذ إرتكب الأوروبيون الجدد جرائم إبادة وحشية ضد السكان الأصليين الهنود الحمر بعد عدهم كائنات منحطة بالوراثة وأقل منزلة ويجب التخلص منهم.