الدكتور محمد رافع الازهرى
قال عبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ:
أنَّ أوَّلَ مَن اتَّخَذَ مِن النِّساءِ « المِنْطَقَ» -وهو قِطْعةٌ مِن قُماشٍ تَشُدُّ بِها المَرأةُ وَسَطَها، وتَجُرُّ أسفَلَه عَلى الأرضِ- كانَت هاجَرَ أُمَّ إسْماعيلَ عليه السَّلامُ وسَبَبُه أنَّ سارةَ كانت قَدْ وهَبَتْ هاجَرَ لإِبْراهيمَ عليه السَّلامُ، فَلمَّا وَلَدَتْ إسْماعيلَ غارَتْ منها فَشَدَّت هاجَرُ المِنْطَقَ على وَسَطِها وصارَتْ تَجُرُّ أسْفَلَه على الأرضِ لِتُخفيَ آثارَ أقدامِها على سارةَ
ثمَّ أمَر اللهُ تعالَى إبراهيمَ عليه السَّلامُ أنْ يَذهَبَ بهاجَرَ وإسماعيلَ إلى مَكَّةَ، فَفَعَلَ
ولَم يَكُن هُناكَ بَيْتٌ ولا بِناءٌ ولا زَرْعٌ ولا ماءٌ، فوَضَعَها تَحْتَ شَجرةٍ هُناكَ فَوْقَ مَكانِ زَمْزَمَ، وكانَ إسْماعيلُ رَضيعًا، ومَكَّةُ صَحْراءَ قاحِلةً وتَرَكَ لها جِرابًا (وِعاءٌ مِن جِلدٍ) فيه بَعضُ التَّمْرِ وسِقاءَ ماءٍ
ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ
فمَشى إبْراهيمُ عليه السَّلامُ، فلمَّا وَصَلَ إلى الثَّنيَّةِ -وهي الطَّريقُ العالي في الجَبَلِ تَضَرَّعَ إلى اللهِ تعالَى مُتَوجِّهًا إلى بَيتِه الحَرامِ داعيًا:
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} لا نَباتَ فيه { عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ }أي: إنَّما جَعَلْتَه مُحَرَّمًا ليَتَمَكَّن أهْلُه مِن إقامةِ الصَّلاةِ عِندَه، { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } فاجْعَلْ جَماعاتٍ مِن النَّاسِ تَأتيهم وتَأنَسُ بهم وتُقيمُ معهم
{ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }
أي: ليَشكُروك على ما رزَقْتَهم
وجَعَلَتْ هاجَرُ تُرضِعُ إسْماعيلَ عليه السَّلامُ وتَشْرَبُ مِن ذلك الماءِ الَّذي في الوِعاءِ حتَّى إذا نَفِدَ ما في السِّقاءِ عَطِشَتْ وعَطِشَ ابنُها وجَعَلَتْ تَنظُرُ إليه
« يَتَلَوَّى»أي: يَتَلَفَّتُ ويَتألَّمُ أو
« يَتَلَبَّطُ*»أي:يُحرِّكُ لِسانَه ويَكادُ يَموتُ مِن شِدَّةِ العَطشِ فانْطَلَقَتْ تَبحَثُ عَن الماءِ بيْنَ جَبلَي الصَّفا والمَرْوةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَشَرَعَ اللهُ لِلنَّاسِ السَّعْيَ في الحَجِّ مِن أجْلِ ذلكَ
فلَمَّا أشْرَفتْ وقارَبَت عَلى جبَلِ المَرْوةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقالت:
« صَهٍ*»كأنَّها طَلَبَتْ مِن نَفْسِها السُّكوتَ لِكَي تَتعَرَّفَ عن مَصدَرِ الصَّوتِ ومِن أيْنَ أتى⁉️ فسَمِعَتْ أيْضًا الصَّوْتَ مَرَّةً أُخرى فَقالت:
قَدْ أسْمَعتَ إنْ كانَ عِنْدَك « غِواثٌ*»يَعْني:ما يُغيثني فَأغِثْني فَإِذا هيَ بالمَلَكِ -وهو جِبريلُ عليه السَّلامُ- عِنْدَ مَكانِ زَمْزَمَ، فبَحَثَ بِعَقِبِه أي: ضَرَبَ في الأرضِ لإخراجِ الماءِ فجَعَلَتْ تُحَوِّضُه وتَقولُ بيَدِها هَكَذا أي:
فَصارَتْ تُحيطُه بالتُّرابِ وتَجْعَلُه حَوْضًا فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
« يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إسْماعيلَ، لو تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أوْ قالَ: لو لَمْ تَغْرِفْ مِن الماءِ- لكَانتْ زَمْزَمُ عَينًا مَعِينًا»أي:عَيْنًا جاريةً عَلى وجْهِ الأرضِ
قَبيلةَ جُرْهُمَ مَرُّوا فَرَأوْا طَيْرًا يَتَرَدَّدُ على الماءِ ويَحُومُ فعَرَفوا أنَّ بِهذا الوادي ماءً فَأقْبَلوا على أُمِّ إسْماعيلَ واستَأذَنوا منها بالنُّزولِ في جِوارِها فأذِنَتْ لهم عَلى ألَّا يَكونَ لهم حَقُّ التَّمَلُّكِ في ذلك الماءِ وإنَّما لهم أنْ يَشرَبوا مِنه فَقَطْ وسَكَنَتْ جُرْهُمُ مَكَّةَ واسْتَأْنَسَتْ هاجرُ بسُكْناهم مَعَها وكَبِرَ إسماعيلُ عليه السَّلامُ في هذه القَبيلةِ وتَعَلَّمَ منهم اللُّغةَ العَرَبيَّةَ ثمَّ لَمَّا بَلَغَ الرُّشدَ زَوَّجوه امْرَأةً منهم ثمَّ ماتَتْ هاجرُ أُمُّ إسْماعيلَ عليه السَّلامُ.
فجاءَ إبْراهيمُ بعْدَما تَزَوَّجَ إسْماعيلُ عليهما السَّلامُ يَتَفَقَّدُ حالَ أهْلِه ووَلَدِه، فلمْ يَجِدْ إسْماعيلَ عليه السَّلامُ في بَيتِه فَسَألَ امْرَأتَه عَنْه ولم تَعرِفُ أنَّه إبراهيمُ أبو إسماعيلَ عليهما السَّلامُ فَقالت: خَرَجَ يَبْتَغي لَنا، أي: يَطلُبُ لَنا الرِّزْقَ ثمَّ سَألَها عَن عَيْشِهم وحالتِهم فَقالت:
نَحْنُ بِشَرٍّ وضِيقٍ وشِدَّةٍ تَشْكو إليه مَعيشَتَهم فقال لها إبراهيمُ عليه السَّلامُ:
إذا جاءَ زَوْجُك فاقْرَئي عليه السَّلامَ وقُولي له:
يُغَيِّرْ عَتبةَ بابِه
فالعَتَبةُ كِنايةٌ عن المرأةِ والبابُ كِنايةٌ عن البَيتِ فلَمَّا جاءَ إسْماعيلُ عليه السَّلامُ -وكانَ قَدْ أحَسَّ في نَفْسِه أنَّه جاءَها أحَد- سَألَها قائِلًا:هَلْ جاءَكم مِن أحَدٍ؟ قالت: نَعَمْ جاءَنا شَيْخٌ كَذا وكَذا تَصِفُه له وأخْبَرَتْه بِما حَدَثَ بيْنهما فقالَ:
ذاكَ أبي وقَدْ أمَرَني أنْ أُفارِقَك أي: أُطَلِّقَك فالْحَقي بِأهلِكِ
ثمَّ تَزَوَّجَ إسماعيلُ عليه السَّلامُ منهم امْرَأةً أُخرى ثمَّ أتى إبْراهيمُ عليه السَّلامُ بعْدَ مُدَّةً مِن الزَّمَنِ فلَم يَجِدِ ابنَه إسماعيلَ في بَيتِه فدَخَلَ عَلى امْرَأتِه فسَألَها عَنْه فقالت:
خَرَجَ يَسْعى في طَلَبِ الرِّزقِ
قالَ:كَيْفَ أنْتُم وسَألَها عَن عَيْشِهم وحالِهِم فَقالت:
نَحْنُ بِخَيْرٍ وفي نِعمةٍ مِن اللهِ وسَعةٍ في الرِّزقِ وأثْنَت عَلى اللهِ سُبحانَه فحَمِدَت رَبَّها وشَكَرَتْه لأنَّها كانت راضيةً بِما قَسَمَ لها وذلك شَأْنُ المَرْأةِ الصَّالِحةِ فَسَألَها عَن طَعامِهم وشَرابِهم الَّذي يَعيشونَ عليه فذَكَرَتْ أنَّ طَعامَهم اللَّحْمُ وشَرابَهم الماءُ فَدَعا لهم بالبَرَكةِ في اللَّحْمِ والماءِ فَكانوا يَقْتَصِرونَ عليهما دونَ أنْ يَتَضَرَّروا منهما
وأصْبَحَ ذلك خاصًّا بمَكَّةَ دونَ غَيرِها مِن البِلادِ فإنَّه لا يَقتَصِرُ أهْل بَلَدٍ عليهما إلَّا تَضَرَّروا منهما كَما قالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما:« فَهُما لا يَخْلو عليهما أحَدٌ بِغَيرِ مَكَّةَ إلَّا لَم يُوافِقاه »
أي: لَيْسَ أحَدٌ يَعيشُ عَلى اللَّحْمِ والماءِ بغَيْرِ مَكَّةَ إلَّا اشْتَكى بَطْنَه وقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
« ولَمْ يَكُنْ لهمْ يَومَئذٍ حَبٌّ»
لو كانَ عِندَهم حَبٌّ ومنه طَعامُهم لدَعَا لهمْ فِيهِ بمِثلِ ما دَعا في اللَّحمِ والماءِ
ثمَّ قالَ إبراهيمُ عليه السَّلامُ لامرأةِ إسماعيلَ:
فَإِذا جاءَ زَوجُك فاقْرَئي عليه السَّلامَ ومُرِيه يُثبِتُ عَتَبةَ بابِه
فلَمَّا جاءَ إسْماعيلُ عليه السَّلامُ قالَ:هَلْ أتاكمْ أحَدٌ؟ فَأخْبَرتْه عَن الشَّيْخِ الَّذي جاءَها في غِيابِه وبِأوصافِه وما دارَ بيْنَه وبيْنَها فَقالَ:ذاكَ أبي وأنْتِ العَتَبةُ أمَرَني أنْ أُمسِكَك فأُبقيَك ولا أُطلِّقَك .
ثمَّ جاءَ إبراهيم عليه السلام زائرا لابنه مرة ثالثة وإسْماعيلُ عليه السَّلامُ يَبْري نَبْلًا -أي: سَهْمًا- ويُصلِحُه تحْتَ شَجرةٍ قَريبةٍ مِن زَمزَمَ فلَمَّا رَآه قامَ إليه فَصَنَعا كَما يَصنَعُ الوالِدُ بالوَلَدِ والوَلَدُ بالوالِدِ مِن المُعانَقةِ والتَّقبيلِ فقالَ إبراهيمُ عليه السَّلامُ: إنَّ الله أمَرَني أنْ أبْنيَ هاهُنا بَيْتًا وأشارَ إلى « أكَمةٍ مُرتَفِعةٍ» مَكانٌ مُرتفعٌ ليُبَيِّنَ له المَكانَ الَّذي أُمِرَ بِبَناء الكَعْبةِ فيه قالَ:
فَعِنْدَ ذلك رَفَعَا القَواعِدَ أي: شَرَعا في البِناءِ حَتَّى رَفَعا الأُسُسَ الَّتي يَقومُ عليها البَيْتُ فَجَعَلَ إسْماعيلُ عليه السَّلامُ يَأْتي بالحِجارةِ وإبْراهيمُ عليه السَّلامُ يَبْني حَتَّى إذا ارْتَفعَ البِناءُ وعَلا وأصْبَحَ لا تَطولُه يَدُه جاءَ بِهذا الحَجَرِ فَقامَ ووَقَفَ عليه إبراهيمُ عليه السَّلامُ وإسْماعيلُ عليه السَّلامُ يُناوِلُه الحِجارةَ وهُما يَقولانِ:
{ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
ونش ابو جمال – ونش سطحة شحن خارجى – ونش الكويت – سطحة الكويت – نقل عفش الاحمدي
ونش بدالة ونشات سطحة بدالة سطحات – ضيافة – فالية باركنج – شيشة حفلات – متجر و محل شيشة
توصيل شيشة – توصيل شيشه – ونش فل داون – ونش الكويت سطحة هيدروليك – 52222826
صدى – مصر من مصر لكل العالم