إحذروا المعاصي وما يقرّب منها
محمد البحيري
6 أكتوبر، 2025
الدين والدنيا
عدد المشاهدات 5371 78
بقلم محمد الدكروري
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك رضينا بالله تعالى ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا ورسولا ثم اما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن الرشوة وعن أضرارها علي الفرد والمجتمع، وهذا التعريف للرشوة نقله الشيح ابن باز رحمه الله تعالى عن ابن عابدين في الحاشية وإستحسنه في رسالة له عن الرشوة، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها الحاكم، أو يقضيها له، والمراد بالحاكم هو القاضي وغيره، وكل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي، سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها، أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجّار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم، والمراد بالحكم للراشى وحمل المرتشي على ما يريده الراشي تحقيق رغبة الراشي ومقصده،
سواء كان ذلك حقا أو باطلا” ولا يستثنى من التحريم إلا من وقعت عليه مظلمة لا يستطيع رفعها إلا بالرشوة، أو منع من حقه الثابت له لا يصل إليه إلا بها فهذا قد رخص له في دفعها، والمصانعة بها لأخذ حقه ورفع الضرر عن نفسه، بشرط أن يستنفذ الطرق المشروعة قبل ذلك، والإثم في هذه الحال على آخذ الرشوة دون دافعها، وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى فأما الراشي فإن رشاه ليحكم له بباطل أو يدفع عنه حقا فهو ملعون، وإن رشاه ليدفع ظلمه، ويجزيه على واجبه فقد قال عطاء وجابر بن زيد والحسن لا بأس أن يصانع عن نفسه، وقال جابر بن زيد رحمه الله ما رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشا؟ ولأنه يستنفذ ماله كما يستنفذ الرجل أسيره، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى الراشي يقصد بها التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل وهو الملعون في الخبر.
فإن رشى لدفع ظلم اختص المرتشي وحده باللعنة، على أنه ينبغي أن يعلم أن الصبر وإحتساب الحق الضائع عند الله تعالى أفضل من المصانعة بالرشوة لإستخراج حقه، إلا إذا ترتب على ضياع ذلك الحق مفاسد عظيمة تتعداه إلى غيره، ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا من الناس يظن أن له الحق في الشيء، فيصانع على نيله بالرشا، وهو ليس فيه حق كمن يدفع الرشوة للوصول إلى الهبات والعطايا التي يبذلها السلاطين والأمراء والأغنياء، فهذه العطايا مباحة إن لم تكن مغتصبة، فلا يجوز للإنسان أن يصل إليها بالرشوة لأنه وغيره فيها سواء، وليست حقا ثابتا له منع منه، ألا فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون وإحذروا الفتنة بالدنيا فكم أردت الفتنة بها من أقوام، إستحلوا ما لا يحل لهم، وحملوا بسبب ذلك أوزارهم وأوزار غيرهم، حمانا الله والمسلمين من الدنيا وفتنتها.
ورزقنا القناعة بما رزقنا، ومن علينا بغنى النفوس، وصلاح القلوب إنه خير مسؤول، فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، واحذروا المعاصي وما يقرّب منها، واعلموا يرحمكم الله أن للرشوة آثار سيئة على الأفراد والجماعات، فهي سبب لفساد الأخلاق وإنحطاط الهمم، وسفول الأمم، لا يرضاها كسبا له إلا من ضعفت نفسه، ورقّ دينه، ولا يتخلقها إلا من ذهبت أمانته، وظهرت خيانته، وتقاصرت عن الكسب الحلال همته، فأضحى دنيء النفس، يرضي شهوته ببذل دينه، ويشبع طمعه بتعطيل مصالح إخوانه، ولن يشبع ولو حاز الدنيا كلها، إذ مشكلته في فقر قلبه، لا في قلة ذات يده، فإن الرشوة سبب للعداوة والبغضاء بين الناس، إذ يستولي الراشي على حقوق غيره لأنه دفع للمرتشي، ويمنع صاحب الحق حقه لأنه لم يدفع للمرتشي، والله تعالى لما أمر بني إسرائيل أن لا يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا.
فلم يستجب لأمر الله تعالى إلا قليل منهم فأخذوا الرشوة في الحكم، وجاوزوا الحدود، ألقى الله تعالى بينهم العداوة والبغضاء، فقال عز وجل في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله تعالى كما جاء في سورة المائدة ” وألقينا بينهم العدواة والبغضاء إلي يوم القيامة ” وقال الله تعالي في النصارى، كما جاء أيضا في سورة المائدة ” فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلي يوم القيامة ” وهكذا المسلمون إن تعاملوا بالرشوة، ولم ينكروها ويكافحوها حري أن تلقى بينهم العداوة والبغضاء، وحينها لا يأمن واحدهم على نفسه ولا ماله ولا ولده.