الحياة غايات ومقاصد ومهام ووظائف
محمد البحيري
16 أكتوبر، 2025
مقالات
عدد المشاهدات 5371 104
يقلم محمد الدكروري
الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد
اعلموا يرحمكم الله أن لكل آلة أو جهاز أو أي قطعة مصنوعة غاية ووظيفة وهدف من إيجادها، فالثلاجة وغسالة الملابس والسيارة والطائرة وجهاز الحاسوب وكل ما يخطر ببالك من الموجودات والأجهزة المستخدمة بل والجمادات، لها غايات ومقاصد ومهام ووظائف، ترجع حقيقة عملها حتى تؤدي الغرض الذي وجدت من أجله إلى مبتكرها وصانعها ومخترعها، فغسالة الملابس التي اخترعها هاملتون سميث سنة ألف وثماني مائة وثماني وخمسين من الميلاد، أو فافيشر سنة ألف وتسعمائة وواحد من الميلاد، الغاية منها هو تنظيف الملابس.
وتنقيتها من الأدران والأوساخ وإظهارها بمظهر حسن بجهد يسير ووقت قصير، فإذا لم تحقق هذه الآلة هذا الغرض فإنها تكون قد إنحرفت عن مسارها ووظيفتها وما أراد مبتكرها، وأي جهاز نريد إستخدامه وتشغيله لأداء وظائف أخرى غير ما خصص له، فالنتيجة تكون سلبية ويصبح الجهاز معطلا عن أداء مهمته أي بمعنى أنه غير صالح، فإذا لم تحفظ الثلاجة الطعام من التلف وتبرده، نقول بأنها فاسدة ولابد من تصليحها، وإذا أدت الغرض نقول شغالة وصالحة، وتكمن قيمة الموجودات والأشياء في الحكمة التي وجدت من أجلها، فالجن والإنس عوالم موجودة مخلوقة ولم تستشر بخلقها ولم تشهد ذلك، بل خلقنا الله عز وجل خالق جميع الموجودات وصورنا فأحسن صورنا، حيث قال الله تعالى في سورة الكهف ” ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا”
وكما قال سبحانه في سورة الإنفطار ” يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ” والنداء هنا للتنبيه تنبيها يشعر بالإهتمام بالكلام والإستدعاء لسماعه فليس النداء مستعملا في حقيقته إذ ليس مرادا به طلب إقبال ولا هو موجّه لشخص معين أو جماعة معينة بل مثلُه يجعله المتكلم موجّها لكل من يسمعه بقصد أو بغير قصد، إذن لابد أن نرجع لمراد الخالق من خلقنا، وغايته من إيجادنا وصُنعنا، وعلينا التبصر في ذلك، والتبحر في حقيقة وجودنا، والتأمل والتدبر وإعمال الفكر لأصل معيشتنا وتواجدنا في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وإذا صحت المقدمة صلحت النتيجة وأثمرت، فالحكمة من خلقنا والغاية من إيجادنا قد أخبرنا عنها العليم الخبير إذ يقول في كتابه العزيز كما جاء في سورة الذاريات.
” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ” ويقول ابن عاشور في التفسير أي ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي، ويقول شيخ الإسلام ابن كثير في التفسير أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، ويقول ابن عجينة في التفسير أي إلا لنأمرهم بالعبادة والخضوع لربوبيتي، لا لنستعين بهم على شأن من شؤوني، كما هي عادة السادات في كسب العبيد، ليستعينوا بهم على أمر الرزق والمعاش، وللعلامة السعدي رحمه الله كلام بديع في تفسير هذه الآيات إذ يقول هذه الغاية، التي خلق الله تعالي الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى.