الدكروري يكتب عن خلط السم بالعسل

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه اجمعين وسلم تسليما كبيرا، أما بعد قيل أنه مرّ مالك بن أنس بجارية تغني شعرا، تقول أنتي أختي وأنت حرمة جاري وحقيق عليّ حفظ الجوار، إن للجار إن تغيّب غيبا حافظا للمغيب والأسرار، ما أبالي أكان للجار ستر مسبل أم بقي بغير ستار، فقال مالك علموا أهليكم هذا ونحوه، وكما قيل انه لما عزم أبو البركات التلمساني على الرحلة من بلاد المغرب إلى الشرق كتب إليه ابن خاتمة أحد شعراء تلمسان أبياتا يقول فيها أشمس الغرب حقا ما سمعنا بأنك قد سئمت من الإقامة.

وأنك قد عزمت على طلوع إلى شرق سموت به علامة، لقد زلزلت منا كلّ قلب بحق الله لا تقم القيامة، فقال أبو البركات لا أرحل من إقليم فيه من يقول مثل هذا، ولقد غابت شمس حسن الجوار، وانتشر إيذاء الجيران وذلك عن طريق الخصومة والشجار على أتفه الأسباب، والأنانية والأثرة وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الجماعة، وعدم مشاركة الجار في الأفراح ومواساته في الأحزان، وإيقاف السيارات أمام بابه حتى يضيق عليه دخول منزله، أو الخروج منه، وكذلك ترك المياه تتسرب أمام منزل الجار مما يشق معها دخول الجار منزله، وخروجه منه، ومضايقة الجار بمخلفات البناء وأدواته حيث تمكث طويلا أمام بيوت الجيران، ووضع المخلفات والقمامة أمام أبوابهم، واسمعوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما عندما قال.

لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، وإن ما هو مورس من حروب بمعناها التقليدي على ديننا وثوابتنا وقيمنا ومبادئنا عبر التاريخ، لم ينجح في فت عضد الأمة، والنيل من شبابها، الذين هم عُدتها وعتادها وثوابتهم لأن تلك الحروب شهرت سيوفها، وصوبت بنادقها، فمثَلت لنا رأي العين، فأدركنا خطرها، واتحدت إرادتنا، فلحق بعدونا الخزي، ولم تخرج مبادئنا من تلك الحروب، إلا وقد زال ما اعتراها من وهن، فقويت الشوكة، وتأججت الحمية، وقد فطن العدو إلى ذلك، فتلونت أساليبه وتعددت، فأطلق لحرباء أفكاره العنان، فصارت تتلون لنا باللون الذي نحبه، وخلطوا السم بالعسل، فشربنا حد الثمالة.

وسكرت أفكارنا مع أن السكر حرام ولم يعد العدو بحاجة لجيوش جرارة، بل يكفيه فقط بث إشارة، فصار شبابه بهيئته مثار إعجاب مراهقينا، وصارت أفكاره مصدر إلهام لجنة مزعومة، رسموها بإتقان، حتى صار النظر إليها أملا، والتشبه بها رمزا للتقدم للأسف ولو على حساب الدين، ولقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من مجالسة الأشرار ومصاحبة الأنذال، وحث على اختيار الصديق الصالح والجليس المؤمن لما له من نفع في الدنيا والآخرة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ” رواه البخاري ومسلم.

شارك مع اصدقائك

عن .فرحه الباروكي

شاهد أيضاً

الدعوة بين الرفق والحلم والحكمة

عدد المشاهدات 5371 175 بقلم / محمـــد الدكـــروري الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد …