بقلم محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد إن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع هو الخيانة في العمل وعدم الوفاء بأمانة العمل، إما عن طريق أن يُوسّد العمل إلى غير أهله، وإما بإهدار المال العام، وكلاهما أبشع أنواع الخطر على تقدم المجتمع وحضارته، أما توسيد العمل إلى غير أهله فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة، وعدم إستقرارها وثباتها، وفي التأكيد على المحافظة على الاستقرار كان توجيه الإسلام واضحا في بيان أن الأمر إذا وُسّد إلى غير أهله فلننتظر الساعة كناية عن انتهاء الحياة والإستقرار.
وعندما سئل الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، وقال له رجل متى الساعة؟ قال “إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة” فقال وكيف إضاعتها؟ قال “إذا وسدّ الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة” رواه البخاري، وأما إهدار المال العام فإنه يتمثل في صور كثيرة من سوء إستخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله سبحانه وتعالى فيما يعمل وفيما يأخذ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” رواه أبو داود، ولقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء عن طلبها والتعرّض لها، فقد سأله أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن يستعمله فضرب بيده على منكبه وقال “يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” رواه مسلم.
وعندما فتحت فارس وسقط مُلك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة كانت أكواما من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض حملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال، حيث قال ابن جرير لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “إن أقواما أدوا هذا لذوو أمانة” فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه “إنك عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية” فإنها الأمانة أن كانت سلوك أمة وشعار مجتمع ودستور حياة، ويوم أن جاءت امرأة إلى أبي حنيفة تبيع له قطعة من قماش فقال لها كم ثمنها قالت مائة درهم، فقال كلا إنها تساوي أكثر من ذلك، فقالت المرأة أتهزأ بي، قال لا، فأحضرا رجل آخر يسعرها فقال إنه تساوي خمسمائة درهم، عجبا المشتري هو من يزيد في ثمن السلعة؟ لماذا؟
لإنها الأمانة التي جعلت العالم ابن عقيل كذلك وهو طالب علم يفضل الجوع ويصبر رغم أنه وجد كنزا ثمينا ضاع من صاحبه حيث يقول عن نفسه حججت عام فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر، فإذا شيخ ينشده، ويبذل لمن وجده مائة دينار، فرددته عليه، فقال خذ الدنانير، فامتنعت وخرجت إلى الشام، وزرت القدس، وقصدت بغداد ثم وصلت إلى حلب وبتّ في مسجد وأنا بردان جائع، فقدموني، صليت بهم، فأطعموني، وكان أول رمضان، فقالوا إمامنا توفي فصلّ بنا هذا الشهر، ففعلت، فقالوا لإمامنا بنت فزوّجوني بها، فأقمت معها سنة، وولدت ولدا بكرا، فمرضت في نفاسها، فتأملتها يوما فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر، فقلت لها من أين لك هذا العقد؟ فقالت إن أباها كان له مال وفير.
وقد اشترى هذا العقد عندما ذهب إلى الحج وضاع هناك فوجده شاب وأبى أن يأخذ مكافأته من أبي، قال فحكيت لها، فبكت وقالت أنت هو والله، لقد كان أبي يبكي، ويقول اللهم ارزق ابنتي مثل الذي رد العقد عليّ، وقد استجاب الله منه.
صدى – مصر من مصر لكل العالم