الذكرى الثانية لـ “طوفان الأقصى” بين الدم والرهان: تفاؤل دبلوماسي في ظل مفاوضات القاهرة
محمد البحيري
7 أكتوبر، 2025
تقارير وتحقيقات
عدد المشاهدات 5371 36
تقريرعلياء الهواري
في السابع من أكتوبر، تُجدد الأرضُ نداءها وترفض أن تُنسى الذكرى التي هزّت المنطقة والعالم: “طوفان الأقصى” الذي انطلق عام 2023، وأعاد الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى قلب المشهد الدولي بعد سنوات من الجمود. اليوم، وبينما تُعقد في شرم الشيخ مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس برعاية مصرية وأمركيّة، تلتقي الذكرى مع الأمل والخداع: هل تُترجَم الذكرى إلى إنجاز يخفف المعاناة، أم ستبقى ذكرى تنزف؟
هذا التقرير يحاول سبر أعماق الحدث، استحضار تداعياته، ورصد مسارات المفاوضات الجارية، ليرسم مشهداً مركبًا بين التاريخ، الدم، والسياسة.
في فجر السبت 7 أكتوبر 2023، تسللت وحدات من كتائب القسام عبر السياج الفاصل بين غزة والمستوطنات الإسرائيلية في عملية غير مسبوقة من حيث التخطيط والجرأة.
خلال ساعات معدودة، انهارت المنظومة الأمنية الإسرائيلية في الجنوب، وسقط مئات الجنود والمستوطنين بين قتيل وجريح، بينما أُسِر العشرات ونُقلوا إلى داخل القطاع.
إسرائيل وصفت ما حدث بـ“أسوأ يوم في تاريخها”، وأعلنت “حالة حرب” مفتوحة ضد غزة.
الردّ كان عنيفًا وغير مسبوق: قصف جوي شامل، تلاه حصار خانق، قطع للماء والكهرباء والوقود، وعمليات برية استمرت شهورًا.
النتيجة كانت كارثية: عشرات آلاف الشهداء، دمار أكثر من نصف مباني القطاع، وانهيار شامل في البنية التحتية الصحية والإنسانية.
على مدار عام كامل، تحولت غزة إلى عنوان دائم للألم والصمود.
في الشمال، أحياء كاملة مُسحت من الوجود.
وفي الجنوب، تكدّس النازحون في خيام لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء.
الأمم المتحدة وصفت الوضع بأنه “أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين”، بينما استخدم محللون غربيون مصطلح “نكبة جديدة” لوصف ما جرى.
رغم ذلك، لم تتوقف الفصائل عن القتال.
عمليات المقاومة استمرت بوتيرة متفاوتة، من الكمائن في الشجاعية إلى الصواريخ التي طالت مستوطنات غلاف غزة.
إسرائيل من جانبها واصلت اغتيالاتها، آخرها استهداف قيادات ميدانية في خانيونس، بينما لم يُعلن أيٌّ من الطرفين انتصاره بعد.
منذ اللحظة الأولى، انقسم العالم بين من يرى في “طوفان الأقصى” مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، ومن اعتبره “هجومًا إرهابيًا” دمويًا.
الولايات المتحدة وقفت بلا تردد إلى جانب إسرائيل، وقدّمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا غير محدود، مستخدمة الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن لمنع أي إدانة.
في المقابل، ارتفعت أصوات من الجنوب العالمي، خصوصًا من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا، تُطالب بوقف العدوان ومحاسبة إسرائيل على جرائمها.
حتى داخل إسرائيل، لم تمر الذكرى دون انقسام.
فبينما تحيي الحكومة ذكرى القتلى، خرجت تظاهرات في تل أبيب تطالب نتنياهو بالاستقالة وتحميله مسؤولية الفشل الاستخباري والعسكري الذي سمح بحدوث “الطوفان”.
اليوم، وبعد عامٍ على اندلاع الطوفان، تعقد في شرم الشيخ مفاوضات غير مباشرة بين وفدين من إسرائيل وحماس، بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية.
المحادثات تسعى إلى التوصل إلى صفقة شاملة تشمل:
وقف إطلاق نار تدريجي.
انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية.
تبادل الأسرى بين الجانبين.
خطة لإعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي.
المصادر الإسرائيلية تتحدث عن “انفراجة محدودة”، بينما تصرّ القاهرة على وصف الأجواء بـ“الإيجابية الحذرة”.
وفي الخلفية، تمارس واشنطن ضغوطًا مكثفة لإبرام اتفاق قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، خشية أن يتحول استمرار الحرب إلى عبء سياسي على الإدارة.
لكن التعقيدات كثيرة:
فحماس ترفض التخلي عن سلاحها، وإسرائيل ترفض وقف الحرب قبل استعادة جميع الأسرى.
أما المدنيون في غزة، فهم وحدهم من يدفع الثمن يوميًا، ينتظرون خبراً يُعيد إليهم الأمل بالحياة.
“طوفان الأقصى” لم يكن فقط عملية عسكرية؛ بل كان صرخة وجودية خرجت من قلب الحصار والعزلة.
العملية أعادت إلى الواجهة سؤالًا كبيرًا حاول العالم نسيانه:
هل يمكن للسلام أن يُبنى في ظلّ احتلال قائم، أم أن المقاومة ستبقى اللغة الوحيدة المفهومة؟
على الصعيد الفلسطيني الداخلي، أعاد الطوفان الروح لفكرة الوحدة الميدانية بين الفصائل، رغم الانقسام السياسي المستمر.
أما إسرائيليًا، فقد فتح جراحًا عميقة في المجتمع، وخلق أزمة ثقة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية.
وعلى الصعيد الدولي، فرض الطوفان تحولاً في الخطاب الإعلامي والحقوقي، بعدما أصبحت صور الدمار والمجازر في غزة تملأ الشاشات وتكسر الرواية الإسرائيلية التقليدية.
في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، لا يزال المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات.
دماء لم تجف بعد، ومفاوضات لم تُثمر بعد، وأرض تبحث عن سلامٍ لا يُفرض بالقوة.
ربما يختصر أحد سكان غزة المشهد حين قال:
“في كل ذكرى، نحمل أسماء أحبّتنا على صدورنا، ونحمل الأمل في أن تكون الذكرى القادمة بلا قصف.”
الطوفان، رغم مأساويته، أطلق جدلاً عالميًا جديدًا حول العدالة والاحتلال والمقاومة، وأعاد تعريف الصراع لا كحرب بين جيشين، بل كقضية شعبٍ يسعى إلى حياة.
وفي ظلّ المفاوضات الدائرة اليوم، يبدو أن التاريخ نفسه يُعيد