الروح العالية عند المسلين الأوائل
محمد البحيري
8 ديسمبر، 2025
مقالات
500 59
بقلم محمد الدكروري
إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجز لفظ وأعجزِ أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد اعلموا يرحمكم الله كما جاء في المصادر الإسلامية إن من حسن إسلام المرء هو التطلع دائما للتفقه
في دينة والمعرفة برب هذا الكون العظيم والسعي مجاهدا لرضا مولاة والسير علي طريق هداه، وإتباع سنة نبيه ومصطفاة، فإلى متى يرضى الكثير منا بضعف الهمة وفتور العزيمة،
ويرضى من الغياب بالإياب، ومن الغنيمة بالسلامة؟ وإلي متى نرى في الأمة المسلمة الجم الغفير.
والعدد الكثير الذين يحملون الهم لضخامة الهمم؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول ” إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة ” رواه البخاري، وهذا هو عكاشة بن محصن لما رأى أمامة فرصة لأن يدخل الجنة بغير حساب بادر إلى إنتهازها، فلما سمع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول يدخل من أمتي سبعون ألفا بغير حساب،
قال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت منهم، هنا قال آخر ادع الله أن يجعلني منهم، فقال صلي الله عليه وسلم “سبقك بها عكاشة” فترقب للفرصة وإنتهاز لها وحرص على الإستفادة الكاملة منها، فلم يكونوا يعرفون ما يتداوله الناس من قتل الوقت وإضاعة الزمن فقد قرأوا قول الله تعالى ” فإذا فرغت فانصب وإلي ربك فارغب” ومعناها بصورة عامة انك إذا إنتهيت من أي أعمالك.
فأقبل على عمل آخر حتى تكون كل أوقاتك عامرة بالأعمال النافعة لك ولأهلك ولبلدك، فإذا فرغت من دنياك فأقبل على آخرتك واعمل على رضا ربك، ولمّا صعد ابن مسعود رضي الله عنه على شجرة يجتني سواكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ممّ تضحكون؟ قالوا يا نبي الله، من دقة ساقيه،
فقال صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ” أي من جبل أحد، فإغتنم صلى الله عليه وسلم الفرصة ليبيّن للأمة أن الناس يوم القيامة لا يتفاضلون بأشكالهم وأحجامهم، وإنما بصلاح قلوبهم وأعمالهم، فالله عز وجل لا ينظر إلى الصور والألوان والأشكال، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، والفرصة مهما كانت ثمرتها بعيدة وظننت أن غيرك سيجني ثمرتها.
فلا يجوز لك أن تتركها، ومن هنا كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن لا يتكاسلوا عن فعل الخير، وأن لا يفرطوا في عمل نافع حتى ولو كان دنيويا، ولقد سرت هذه الروح عند المسلين الأوائل حيث إنهم كانوا يدركون أهمية الفرص التي تتاح لهم، ويعرفون أنها نعمة يجب أن يحسنوا التعامل معها، ولذلك لما كانت هذه الفرصة تسنح لأحدهم كان ينتهزها ولا يضيعها، واعلموا يرحمكم الله أن السيرة النبوية كلها دعوة إلى مصاحبة المؤمنين المتوكلين الذين يرون النصر والفرج حتى في أحلك الظروف، وإن مواجهة الشكوك والحيرة ليست مهمة سهلة، ولكنها ليست مستحيلة، إنها تتطلب منا جميعا، أفرادا ومجتمعات، أن نكون على قدر المسئولية،
وأن نعمل جاهدين على تعزيز اليقين في قلوبنا وقلوب أبنائنا، وأن نحصن عقولهم بالمعرفة الصحيحة.
وأن نربيهم على القيم الإيمانية السليمة، والله أسأل أن يقي أمتنا ومصرنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يردنا إلى دينه مردا جميلا، اللهم آمين يا رب العالمين.