الشتاء القاسي في خيام غزة. مأساة تهجير لا تنتهى

تقرير علياء الهواري

في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، يشهد الأهالي في منطقة خانيونس ودير البلح وضعًا مأساويًا لا يُحتمل. فبعد موجات التهجير القسري التي تعرضوا لها، تحول العديد منهم إلى العيش في خيام مؤقتة في مناطق المواصي، حيث لا مأوى دائم ولا أفق للعودة إلى ديارهم. الحياة اليومية في تلك الخيام تختلف بشكل جذري عما كان عليه الحال قبل التهجير. فقد كانت الأسر تعيش في منازلها، تتمتع بالأمان النسبي رغم التحديات، إلا أن هذا الواقع تبدد ليحل محله واقع مرير من العيش في خيام متهالكة وبيئة قاسية.

أصبح الشتاء في خيام المواصي كارثة مضافة إلى معاناة العائلات المهجرة. فالبرد القارص والأمطار الغزيرة يضربان الخيام بلا رحمة، مما يزيد من معاناة الأطفال وكبار السن على حد سواء. هؤلاء هم الأكثر عرضة للخطر؛ حيث يعاني الأطفال من أمراض تنفسية خطيرة بسبب البرد القارس، بينما يصارع كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة الظروف الصحية المتدهورة جراء قلة التدفئة والملابس الشتوية المناسبة. تتساقط الأمطار على الخيام لتغمر الأمتعة، في حالة غير إنسانية، وتزيد من صعوبة العيش في تلك الظروف. لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عن وفاة طفل أو أكثر بسبب البرد القارس. في إحدى الحالات المؤلمة، توفي أربعة أطفال من أسرة واحدة نتيجة البرد القارص، وهم لا يملكون ما يسدون به جوعهم أو يحميهم من قسوة الشتاء.

تعتبر الخيام التي لجأت إليها العائلات المهجرة مكانًا غير صالح للعيش الآدمي. فهي لا توفر أي حماية ضد العواصف الشديدة أو الأمطار الغزيرة التي تغمر المكان، ما يجعل الحياة فيها أقرب إلى الجحيم. عندما تتسرب المياه إلى داخل الخيام، تُغرق الأمتعة والملابس، مما يزيد من معاناة الأسر التي تجد نفسها بلا مأوى حقيقي. الخيام لا توفر أي خصوصية للعائلات، وأصبح أفرادها يعيشون في بيئة مكشوفة ومشحونة بالمعاناة. لا يكاد يمر يوم دون أن يشعر الأهالي بفقدان كرامتهم الإنسانية، إذ لا مأوى دائمًا لهم ولا من يخفف عنهم وطأة الظروف.

الآثار النفسية والمعنوية

التأثير النفسي على الأهالي، ولا سيما الأمهات، عميق للغاية. كل يوم يشاهدون أطفالهم يعانون من قسوة الحياة في الخيام، وبينما تقف الأمهات عاجزات أمام البرد والجوع، يزداد القلق والاضطراب النفسي. الأطفال في تلك البيئة يعيشون في خوف دائم من المستقبل، وتؤثر الظروف الصعبة على صحتهم النفسية بشكل خطير. مشاعر الحزن والفقد تهيمن على الأهالي الذين فقدوا منازلهم وأرواحهم التي لم يعد لديهم أمل في استعادتها، ويزيد من ذلك الانعدام الكامل للأمن في المخيمات.


على الرغم من أن الوضع يتطلب تدخلاً إنسانيًا عاجلاً، فإن المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المخيمات في خانيونس ودير البلح تبقى محدودة للغاية. لا تكاد العائلات تجد ما يكفي من الغذاء أو الملابس الشتوية التي تقيهم البرد القارس، ولا توجد مصادر تدفئة توفر لهم الحماية من الأمطار والرياح القوية. الأسوأ من ذلك هو نقص الخدمات الصحية، حيث لا توجد مستشفيات أو مرافق صحية قادرة على تلبية احتياجات المرضى والمصابين. هذا النقص في الدعم الإنساني يفاقم المأساة ويضاعف من معاناة العائلات التي لم تعد قادرة على تحمل المزيد.

في ظل هذه الظروف القاسية، يطالب الأهالي والمنظمات الإنسانية المجتمع الدولي بالتدخل العاجل وتوفير المساعدات اللازمة لهم. هناك حاجة ماسة لإمدادات شتوية، مثل البطانيات والمدافئ والملابس الثقيلة، لتوفير الحماية من البرد. كما يجب توفير أدوية وخدمات طبية عاجلة لمكافحة الأمراض التي تنتشر في المخيمات نتيجة قلة النظافة وظروف العيش غير الصحية. ناهيك عن ضرورة توفير مأوى مناسب للأسر التي تم تهجيرها قسريًا. الحماية الدولية ووقف الانتهاكات المستمرة ضد الأهالي أصبح أمرًا لا بد منه.

من بين القصص الإنسانية المؤلمة التي تكشف حجم المعاناة، تبرز قصة أسرة محمد التي فقدت أربعة من أطفالها بسبب البرد القارص. كانت الأسرة قد لجأت إلى إحدى الخيام في المواصي بعد أن دُمرت منزلهم في الهجوم الأخير، ولكنهم لم يستطيعوا مواجهة شدة الشتاء الذي كان أشد قسوة من أي وقت مضى. ومثل هذه القصص، نجد العشرات من الأسر التي تواجه الموت البطيء في ظل غياب أي تدابير إنسانية جادة. في أحد اللقاءات مع المهجرين، عبرت إحدى الأمهات عن ألمها قائلة: “نحن لا نطلب سوى أن نعيش بكرامة، في مكان يحمينا من البرد ويحفظ لنا أرواح أطفالنا.

الحل الجذري لهذه المأساة لا يكمن فقط في توفير المساعدات الإنسانية المؤقتة، بل في وقف التهجير القسري وتوفير الأمان للأهالي. يجب أن يتوقف الحصار المفروض على غزة،

وأن تضمن المنظمات الدولية حقوق السكان في العودة إلى منازلهم بسلام. تحقيق العدالة ووقف الانتهاكات المستمرة ضد المدنيين هو الطريق الوحيد نحو سلام حقيقي ودائم. إن غزة تحتاج إلى دعم كامل لتجاوز هذه المأساة، ويجب أن يكون هناك تحرك إنساني عاجل لتوفير الحياة الكريمة للأهالي الذين يواجهون التهجير والفقدان والظروف القاسية التي لا تنتهي.

إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب تحركًا سريعًا ومنسقًا من قبل المجتمع الدولي، لأن ما يحدث في غزة لا يمس أهلها وحسب، بل هو اختبار للضمير الإنساني في زمن الحرب والأزمات.

شارك مع اصدقائك

عن .فرحه الباروكي

شاهد أيضاً

الضغط المعيشي والشعبي في لبنان وغزة: قراءة في المواقف وخيارات التصرف أثناء الحرب

عدد المشاهدات 5371 37   تقرير : يارا المصري على مدى العقود الماضية، شكلت المقاومة …