الصراع بين فكرة وفكرة

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله العليم الخبير، السميع البصير، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، لا إله إلا هو إليه المصير، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل الكبير، ثم أما بعد ذكرت المصادر أنه خلف كل مواجهة ميدانية، أو منازلة عسكرية، صغرت أم كبرت، صراع بين فكرة وفكرة، أو بين عقيدة وعقيدة، أو رؤية ورؤية، تعكس كل منها مصلحة أو مطمعا أو رغبة في العلو بالحق أو بالباطل، وهذه كلها تنتهي إلى تنازع بين قناعات وقناعات وبين مناهج ومناهج، إذ لا يمكن أن تتحرك الإرادات على أرض الواقع دون دوافع في العقول والقلوب والضمائر.

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قول الله تعالى كما جاء في سورة الحج ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ” وكما قال الله تعالى في سورة البقرة ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ” والمعنى من الآيتين أنه لولا دفع الله تعالي بأس المشركين بممانعة وجهاد الموحدين، وحكمهم بالوحي المنزل، لزاد الفساد وإستحكم الظلم، وحُرم العباد من عبادتهم لرب العباد، فالتدافع هو الأصل بين سبيل الأبرار والفجار، ليس في ميادين المعارك العسكرية فقط، بل قبل ذلك في ساحات المواجهة الفكرية، وحقيقته صراع بين من يحملون المنهج السوي من أتباع الرسل، وبين من يحتمون بسواها من ملل الجهالات والمقالات والأهواء، حيث قال الله تعالي في سورة إبراهيم.

 

” وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحي إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ” ولكن الصراعات تكون أيضا بين باطل وباطل، وقد يكون ذلك خيرا لأهل الإيمان، كما كان الصراع بين الفرس والروم، حيث أنهك كل منهما الآخر، لتسهل المهمة بعد ذلك على عباد الله الموحدين في الإنتصار عليهما، وكما أن هناك صراعات في عصرنا وليست إستثناء في كون أصلها صراعا بين عقيدة وعقيدة، أو فكر وفكر، فتطورات وتفاعلات الأحداث في النزاعات الكبرى، أكدت دائما أنه كان خلف كل نزاع عسكري أو سياسي منها، إختلاف منهجي وفكري ولو تأملنا في الحروب الدولية الكبيرة، لوجدناها تعكس ذلك بوضوح صريح فالحرب العالمية الأولى كانت في حقيقتها صراعا بين الأفكار والرؤى.

 

والأيديولوجيات التي تحولت إلى أزمات، حيث كانت الأفكار الشيوعية قد بدأت في التبلور في بدايات القرن العشرين، لتفجر الثورة الروسية التي تصدرت لمقاومة الأفكار الرأسمالية التي كانت تتحرك بها أطماع الغرب، وجاءت الحرب العالمية الثانية، لتشعل صراعا جديدا بين أفكار النازية، والفاشية من جهة والرأسمالية الليبرالية من جهة ثانية، ثم أعقبتها الحرب الباردة، التي إمتدت إلى نهاية القرن العشرين، وكانت صراعا بين فكرة الليبرالية الرأسمالية أيضا، والماركسية الشيوعية، لكن ما كان يميز كل تلك الصراعات بشقيها الفكري والعسكري، أنها كانت بين باطل وباطل، من طوائف الضلال المختلفة من كتابيين وملحدين ووثنيين، وما قد يلحق ببعضهم من فئام الجهلة أو المنافقين في بلاد المسلمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور

الرحيم.

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

الدعوة بين الرفق والحلم والحكمة

عدد المشاهدات 5371 177 بقلم / محمـــد الدكـــروري الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد …