الفاشر تشتعل والعالم يصمت السودان على حافة الهاوية

 

قلم عصران الراوي

 

الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة سودانية عابرة على خريطة الصراعات بل هي جرح مفتوح

في قلب السودان يظهر مأساة شعب بأكمله أمام أعين العالم الذي اختار أن يصمت

أو يتفرج أو يكتفي ببيانات القلق والرفض الكلامي بينما تسفك الدماء على الأرض بلا حساب ولا رادع

 

المدينة التي كانت يوماً قلب دارفور النابض بالتنوع والعيش المشترك أصبحت اليوم مسرحاً

مفتوحاً للموت الجماعي المدنيين فيها بلا حماية والأطفال والنساء يواجهون الرصاص

والجوع والمرض بينما قوات الدعم السريع تفرض سيطرتها بالقوة المسلحة وتغلق أبواب المستشفيات

والمدارس وتحوّل الشوارع إلى ساحات إعدام علنية

 

تتوثق التقارير الدولية والمحلية المجازر والاعتقالات التعسفية واختطاف الأطباء

والمسعفين وحرمان المدنيين من أبسط مقومات الحياة من دواء وطعام وماء وملاذ آمن

فيما يكتفي المجتمع الدولي بعبارات قلق شديد وندعو الأطراف إلى التهدئة

بينما الحقيقة أن كل يوم يمضي على الفاشر يسجل سقوط إنسانية كاملة سقوط دولة ومجتمع وضمير عالمي متهاوي

 

الصمت الدولي اليوم ليس مجرد غياب الفعل بل هو مشاركة ضمنية في الجريمة فالإنسانية

التي تتغنى بها مؤتمرات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية لم تتحرك لإنقاذ مدينة تباد أمام أعين الأقمار الصناعية ووسائل الإعلام العالمية

التي تصور الأحداث لكنها لا تحرك ساكناً سوى نشر تقرير لاحق وتحليل هادئ

 

الفاشر ليست مجرد مدينة تتأثر بالحرب إنما رمز لاختبار الضمير العالمي وقياس مستوى الالتزام بحقوق الإنسان إذا صمت العالم هنا فإن أي خطاب عن العدالة والمساواة سيصبح مجرد شعارات جوفاء وإذا تجاهل الجميع ما يحدث فإن الخرائط المستقبلية للسودان ستتحول إلى مناطق نفوذ ومناطق صراع وستصبح المأساة نموذجاً متكرراً لكل الأجيال القادمة

 

دارفور اليوم ليست قضية محلية فقط إنها انعكاس لكل ما يعيشه السودان من انقسامات وفشل الدولة في حماية المدنيين إنها اختبار لكل من يدعي الدفاع عن الإنسانية والسلام اختبار لأوروبا وللولايات المتحدة وللمنظمات الدولية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان لكنها تتغاضى عن مأساة الفاشر

 

النداء الذي تطلقه الفاشر ليس مجرد طلب مساعدات بل هو صرخة أخلاقية تحرك الضمير أنقذوا المدنيين أنقذوا الأطفال أنقذوا الشيوخ أنقذوا ما تبقى من السودان قبل أن تتحول المأساة إلى فشل إنساني كامل

 

إن صمت العالم اليوم هو شهادة على فشل حضارته وعلى ازدواجية معايير الإنسانية فالاهتمام يتوزع وفق المصالح والربح السياسي والاقتصادي بينما دماء الفاشر تسفك بلا قيمة لأن السودانيين بالنسبة للبعض خارج دائرة الاهتمام

 

الفاشر تحتاج إلى وقفة فعلية من كل الأطراف الوطنية والدولية إن لم يكن من أجل السياسة فليكن من أجل الإنسانية إنها دعوة لكل ضمير حي وكل عقل رشيد أن يرفع صوته ويضغط بكل الوسائل الممكنة لوقف القتل وإعادة الحياة إلى مدينة تمثل قلب دارفور وعصب السودان الاستراتيجي

 

اليوم الفاشر تنزف وغداً قد يسقط السودان كله إذا لم يتحرك ضميرنا وضمير العالم إن ما يحدث ليس مجرد صراع محلي أو إقليمياً بل هو اختبار مباشر لكل من يدعي الإنسانية لكل منظمة حقوقية لكل حكومة تدعي العدالة

 

الفاشر ليست قضية دارفور وحدها بل هي مرآة السودان بأكمله مرآة شعب لم يجد من يحميه سوى إرادته وصموده ومرآة عالم يبدو أنه يختار تجاهل معاناته حين لا تعود هناك مصالح مباشرة

 

الفاشر اليوم تتوسل إلى كل من يملك كلمة وصوت وقرار أنقذوا المدينة أنقذوا المدنيين أنقذوا السودان قبل أن يتحول الجوع والرصاص والدم إلى قصة تروى

عن فشل إنساني عالمي كامل

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

الانقسام الذي يهزّ إسرائيل من الداخل: صراع نتنياهو والأمن الداخلي بعد قمة السلام وتبادل الأسرى

عدد المشاهدات 5371 201   تقرير : علياء الهواري بينما كانت الكاميرات تُسلّط الأضواء على …