المرأة… ذاكرة المعركة وصوت الوطن

 

بقلم علياء الهواري

ليست المعارك الكبرى مجرد تواريخ عسكرية تُسجل في كتب التاريخ، بل هي روايات إنسانية تنبض ببطولات صامتة لنساء حملن عبء الأوطان على أكتافهن. وبينما نستعيد ذكرى انتصار أكتوبر 1973 ونقترب من الذكرى الأولى لـ طوفان الأقصى 2023، تفرض المرأة نفسها كخط متصل بين الماضي والحاضر: هي من حفرت في وجدان الأمة معنى التضحية، ومن صاغت بدموعها وحكاياتها هوية الشعوب المقاومة.

لم يكن العبور العظيم لجنود مصر ممكنًا لولا السند الشعبي الذي كانت المرأة عماده الأساسي.

في المصانع والحقول، عملت النساء ساعات مضاعفة لتعويض غياب الرجال على الجبهة.

في المستشفيات الميدانية، وقفت الممرضات والإغاثيات بجوار الجرحى، يضمّدن الجراح تحت وابل القصف.

في البيوت، كانت الأم والزوجة تتحمل غياب الأحبة، وتبعث برسائل الثبات والعزيمة إلى الخطوط الأمامية.

ولعل أعظم صورة تختزل ذلك هي أم الشهيد التي ارتدت السواد بفخر، وأعلنت أن “دماء ابنها مهر للنصر”.

في غزة والضفة والقدس، المرأة الفلسطينية لم تعد مجرد أم أو زوجة، بل أصبحت الجدار الأخير في معركة البقاء.

الأمهات اللواتي ودعن أبناءهن تحت الركام ولم يفقدن الأمل.

الصحفيات اللواتي نقلن الحقيقة للعالم رغم الاستهداف المباشر، مثل الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي تحولت إلى أيقونة إعلامية.

الأسيرات مثل إسراء جعابيص اللواتي جسدن مأساة الأسر والعذاب، لكنهن ظللن رمزًا للإصرار.

المُسعفات والمتطوعات اللواتي خاطرن بأرواحهن لإنقاذ الجرحى في الشوارع والمخيمات.

هذه المرأة الفلسطينية ليست فقط شاهدة على الحرب، بل هي الحارسة الأمينة للذاكرة، التي تنقل الرواية جيلًا بعد جيل

ورغم أن التاريخ يذكر بعض الأسماء البارزة، إلا أن آلاف النساء المجهولات حملن على عاتقهن أدوارًا لا تقل بطولة.

المرأة المصرية التي باعت ذهبها لدعم المجهود الحربي.

المرأة الفلسطينية التي حملت ابنها الجريح مسافة طويلة بحثًا عن مستشفى في ظل الحصار.
هؤلاء النسوة قد لا تُذكر أسماؤهن في الصحف، لكنهن يملأن صفحات الوطن الحقيقية.

ما يربط بين المرأة المصرية في أكتوبر والمرأة الفلسطينية في طوفان الأقصى هو أن كلتاهما آمنت بأن الوطن لا يُحفظ إلا بالتضحية. المصرية قالت: “خذوا ابني لمصر”، والفلسطينية قالت: “دم ابني للقدس”. كلاهما أدركت أن الفرد فانٍ، لكن الوطن باقٍ.

عندما نتأمل مسيرة النضال العربي، نجد أن المرأة ليست على هامش الحكاية بل في قلبها. هي الذاكرة الحية التي تحفظ المعركة من النسيان، وهي الصوت الذي لا يخفت مهما علا ضجيج المدافع. من أم البطل في أكتوبر، إلى أم الشهيد في غزة، تتواصل الحكاية لتقول إن الأوطان تُبنى بالدمع والدم معًا، وإن المرأة ستظل دائمًا ذاكرة المعركة وصوت الوطن.

شارك مع اصدقائك

عن .فرحه الباروكي

شاهد أيضاً

غادة محفوظ تكتب : الحوكمة سبيل الإصلاح الحزبي في الجمهورية الجديدة

عدد المشاهدات 5371 204 بقلم غادة محفوظ الحياة الحزبية تمثل الركيزة الأساسية لأي نظام ديمقراطي …