تفشي ظاهرة التسول والسؤال

بقلم محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد مع أمواج البلاء الجارفة فقد ظهر مع هذا الجيل ظرفاء وهباء ينعتون أنفسهم بأنهم نشطاء، ولسنا ندري أين مكان الدراسة الذي يخرج هؤلاء النشطاء في بلادنا؟ وما هو نشاطهم الحقيقي في مجال العمل ونهضة الأمة؟ وما هم إلا أدوات تعمل لمصالح غريبة مشبوهة عن وطننا وعن ديننا، وظهر كذلك إستراق للمناصب والخبرات بإطلاق نعت الخبراء على كثير من المفلسين والسطحيين ومعهم كل من يعمل في صحيفة لا يعرفها أحد ثم يطلق عليه نعوت الإعلاميين المشهورين، ولا شك فإن سوق العمل في هذه المجالات يتأرجح بين نادر من الصدق وأمواج سخيفة من السطحية والغثاء.
ويا للعجب المثير للدهشة في العقول من كثير من شباب هذه الأمة الذين يرفلون في التميز بمستواهم العلمي العالي والمتخصص في العلوم البحتة مثل الصيدلة أو الكيمياء أو طرق التربية أو الطب أو الزراعة أو الهندسة ثم يهمل دراسته ويرضى بمستوى دون المتوسط فيها طمعا أن يكون من علماء الوعظ أو الحديث أو التفسير أو من المبرزين في الإعلام، وبدلا من أن يكون حضوره الأول في قاعات دراسته وتخصصه فإذا به يهدر الوقت والجهد في غير مجاله وحاله كشجرة التفاح التي تؤمر عبثا أن تنتج بلحا، وهذا محال، فلماذا قعد المتخصصون أدراج الغياب عن مسئولياتهم وعطلوا مواهبهم في زمن الطلبنة الحقيقية التي ستثمر بُرّا وعسلا عليهم وعلى أمتهم بعد تخرجهم ولماذا هذه الحيرة والتشاغل المدهون بطلب العلم، فإن هذه الطريقة لا تخرج عالما خبيرا بما يقول.
بل إنها تفرخ ألسنة مقلدة ناقلة للآراء فقط، والله تعالى حينما أمرنا بطلب العلم قد ندب طائفة منا فقط، طائفة واحدة وليست كل الطوائف، فمن تخصص في غيرها في دراسته فليبدي فيها نبوغا وهمة، فما علاقة دارس الطب أو أصول التربية أو الفلسفة أو الصيدلة بأعماق الفقه والأصول ومناهج الدعوة وأساليبها والتفسير ومدارسه وعلم الحديث وكثرة رواياته؟ ومن هو الذي أقنعه بولوج هذا الباب؟ ولقد فرض الله تعالى دراسة العلم الشرعي والتفقه في الدين وندب إليه مجموعة متخصصة ويجب على كل ما عداها أن يفرغ إلى حمله ويتحمل مسئوليته في الحياة، فيا أيها المسلمون إن مما تفشى في هذه الأزمان كثرة التسول والسؤال في الطرقات والمساجد وفي غيرها، وفي أولئك القوم الأصحاء الأقوياء الأغنياء، وفيهم الضعفاء والمرضى والفقراء.
وإن مما ينبغي أن يعلم نهي الإسلام عن التسول والمسألة، لما فيها من ضرر وخطورة وفساد على صاحبها، وما فيها من هضم لحقوق الآخرين في المجتمع، قال أبو حامد الغزالي رحمه الله ” السؤال حرام في الأصل وإنما يباح لضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك من ثلاثة أمور محرمة الأول إظهار الشكوى من الله تعالى، إذ السؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه، والثاني أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى، وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله إلا لضرورة، الثالث أنه لا ينفك عن إيذاء المسئول غالبا، ولقد كان لصحابة النبي الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أعمال هم لها في المهن عاملون، فكان الصديق أبو بكر تاجر أقمشة وعمر بن الخطاب دلالا.

وعثمان بن عفان تاجرا وعلى بن أبي طالب عاملا، وكان عبد الرحمن بن عوف تاجرا والزبير بن العوام خياطا وسعد بن ابى وقاص نبّالا أي يصنع النبال وعمرو بن العاص جزارا وكان ابن مسعود وأبو هريره رضي الله عنهم جميعا لديهم مزارع يزرعونها وكان عمار بن ياسر يصنع المكاتل ويضفر الخوص، وهكذا كان أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لهم صنائع وحرف

شارك مع اصدقائك

عن محمد البحيري

شاهد أيضاً

الحياة غايات ومقاصد ومهام ووظائف

عدد المشاهدات 5371 126 يقلم محمد الدكروري الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله …