محمد الدكروري

جدار الزمن الذي نكتب عليه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله ذي الكبرياء و العزة والجلال تفرد سبحانه بالأسماء الحسنى وبصفات الكمال، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره عظم من شأن حرمة الما وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما خطر ذكره على بال وما تغيرت الأيام والأحوال

أما بعد إن الوطن هو جدار الزم الذي نكتب عليه لمن نحب ونعشق، فالمجد لك يا وطني،

والعشق لك في كل البيادر والأحيان بل والأزمان،

هكذا الوطن قلب ونبض وشريان وعيون ونحن فداه، وهكذا الوطن لا يتغير حتي لو تغيرنا،

فهو باقي ونحن زائلو، فيا أيها المسلمون تأملوا أنفسكم وأنتم في هذ المسجد من قبائل شتى،

ومن أعراق مختلفة، ومن دول متعددة، وإجتمعتم لخطبة وصلاة الجمعة، أليس دين الله الذي جمعكم؟

بل أليس دين الله الذي أمركم بالإجتماع ونهاكم عن الفرقة؟ فالزموا ما أنعم الله به عليكم من ثمار هذا الدين العظيم،

وتمسكوا بسنة حبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم “

عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ” فيا عباد الله إن حب الأوطان من الإيمان

وليس كما يزعم البعض أنها عبارة عن حفنة تراب بل هي تاريخ وثقافة وحضارة

مستدلا ببكاء النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم بينما كان مهاجرا إلى المدينة حزنا على فراقه وطنه مكة

وقوله ” إنك لأحب الأرض إلى قلبي ولو أن قومك أخرجوني منك ما خرجت ” فالله تعالى خلق الإنسان مفطورا على حب وطنه والأنس به فهو راحة قلبه وطمأنينة نفسه وموئل الأحبة والخلّان والأمان والذكريات وحب الوطن شعور تخفق له القلوب، وشوق تتحدث به الأفئدة.

وحنين يكمن في الوجدان ومودة وألفة تتزين بها كرام النفوس وأهل المروءات والشيم،

فيا أيها المسلمون بلادي وإن جارت علي عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام، فهو شعور كم خفقت به القلوب وكم شمخت به الأفئدة، هو حنين يزلزل المكامن هو شوق يلهب المشاعر، هو شيء لا يمكن وصفه، أطلق قرائح الشعراء، وأسال محابر الأدباء، وأبكى عيون الأوفياء، إنه الحب الذي لم تخل منه مشاعر الأنبياء، إنه الود الذي ملئت به قلوب الأصفياء إنه حب الأوطان يا عباد الله، فإذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه؟ فحب الأوطان غرسة في الوجدان، ونبتة في الجنان، وجبلة طبع الله النفوس عليها، فمنذ أن يولد الإنسان وقلبه متعلق بوطنه وبأمته، يألف بلده وموطنه، يألف أرضه وسماءه وترابه وماءه، ولا غرابة في ذلك.

وحب الأرض قد إقترن بحب النفس في كتاب الله تعالي، وقد كان للمهاجرين رضي الله عنهم من الفضائل بسبب هجرتهم وتضحيتهم بأوطانهم وتفضيلهم للدين على الوطن، وفي حديث عبد الله بن عدي رضي الله عنه عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة “إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت” ولما ذهب في بداية نزول الوحي إلى ورقة بن نوفل، وقال له “هذا الناموس الذي نزل على موسى” إلى أن قال “ويخرجك قومك من بلدك؟” قال صلى الله عليه وسلم “أو مخرجي هم؟” كأنها ثقلت عليه صلى الله عليه وسلم، فيا أيها الناس إن البشر يألفون أرضهم ووطنهم ولو كانت بلاقع موحشة، غبراء مقفرة، يستريح لها إذا أتاها، ويحن لها إذا غاب عنها، يدافع عنها إذا إنتقصت، ويذب عنها إذا لمزت، هذه الوطنية بمفهومها السامي وبمدلولها الرامي.

شارك مع اصدقائك

عن .فرحه الباروكي

شاهد أيضاً

أول المخلوقات وجودا

عدد المشاهدات 5371 194 بقلم محمد الدكروري الحمد لله الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، …