خانوني حين صافحوا أوسلو والرصاصة التي قتلتني لم تكن طائشة”

 

 

كتبت علياء الهواري 

 

في ذكرى رحيله، نفتح باب المقاطعة من جديد لكن ليس كما نعرفها اليوم،

بل كما تركها هو: جدران يعلوها الغبار، ورائحة البارود لا تزال عالقة في الزوايا.

وفي وسط الصمت، يظهر أبو عمار — بزيه العسكري، وكوفيته التي تحمل خارطة فلسطين.

يجلس على كرسيه القديم ويبتسم قائلاً:

 

يبدو أن العالم ما زال يسأل من قتل ياسر عرفات

 

سيادة الرئيس، بعد واحد وعشرين عامًا على رحيلك، ما الذي تريد أن تقوله أولًا للعالم العربي؟

 

أريد أن أقول إنّ فلسطين لم تمت لكنّها تُحتضر كلّ يوم في المؤتمرات، وفي صمت العواصم.

عندما تركت المقاطعة آخر مرة، كنت أعرف أن الاحتلال لن يكتفي بحصار الجسد، بل سيحاصر الفكرة.

لكنّ الفكرة لا تُقتل

أنا خرجت من بيروت محاصرًا، ومن المقاطعة مسمومًا، لكنّي ما زلت أعيش في كل حجر يُقذف على دبابة.

 

الكلّ يتحدث عن اغتيالك من قتل ياسر عرفات فعلاً؟

 

الرصاصة لم تكن من بندقية واحدة، بل من تحالف الخوف.

خاف مني الاحتلال لأنني لم أوقّع على نهاية المقاومة، وخافتني بعض الأنظمة لأنني كنت “صوت فلسطين” لا صوتها هي.

في آخر أيام الحصار، كنت أرى السمّ في العيون قبل أن يصل إلى الطعام. لم يكن الاغتيال جريمة لحظة بل قرارًا صُنع في غرفٍ مُغلقة حين رفضت أن أبيع القدس مقابل كرسيّ في رام الله.

 

ماذا عن “أوسلو”؟ أكنت راضيًا عنها في قلبك؟

 

أوسلو كانت فخًّا مدهونًا بالعسل. قلتها في سري: “سأصافح عدوي لأكسب الوقت”، لكنهم أخذوا الوقت وأخذوا الأرض.

كانوا يريدون عرفاتًا بلا كوفيّة، بلا بندقية.

وعندما فهموا أنني لم أتغيّر، بدأوا يعدّون الأيام لدفني حيًّا.

 

لو كنت بيننا اليوم، كيف كنت ستتعامل مع ما يحدث في غزة؟

 

كنت سأقف في الخندق مع من يقاتلون، لا على الشاشات مع من يبررون.

كنت سأقول لهم:

 

“لا تفاوض مع من يقتل أطفالك، ولا هدنة مع من سرق وطنك.”

الدم الفلسطيني لا يُقاس بالمواسم، والمقاومة ليست خيارًا بل قدر.

 

هل تشعر أنّ من بعدك خانوا الطريق؟

 

بعضهم لم يخُن الطريق، بل باع الخريطة.

تحوّلت القضية إلى مكاتب، والكرامة إلى تصاريح.

كانوا يريدون دولة بلا سيادة، وأنا أردت سيادة بلا دولة مؤقتة.

الفرق بيني وبينهم أنني كنت أقاتل لأبقى فلسطينيًا، وهم يقاتلون ليبقوا سياسيين.

 

إذا عدنا إلى لحظة حصارك في المقاطعة ما الذي دار في بالك وقتها؟

 

كنت أسمع القصف، لكنّي كنت أسمع أيضًا همس الشباب في الخارج: “اثبت يا أبو عمار”.

حينها علمت أنّني لست وحدي.

كنت أكتب في الليل وصيتي:

 

“لا تسمحوا أن يُدفن القرار الفلسطيني في أوسلو.”

لم أكن خائفًا من الموت، كنت خائفًا من أن يُنسى الحلم

 

اليوم، هناك جيل لم يعرفك إلا صورة على الجدار ماذا تقول له؟

 

أقول لهم: لا تصدّقوا الروايات التي تُروى عني في قاعات الأمم المتحدة، صدّقوا من عاشوا معي في المخيمات.

أنا لم أكن بطلًا من ورق… كنت إنسانًا يحمل خيمةً على كتفه وقضية في قلبه.

إذا أردتم أن تُحيوا ياسر عرفات، فلا ترفعوا صورتي… بل ارفعوا رأسكم في وجه الاحتلال.

 

فلسطين لا تُحررها الصور تُحررها الأقدام التي لا تعرف التراجع.

 

كلمة أخيرة قبل أن تغادرنا من جديد

 

قولوا لهم إنّ عرفات لم يمت، فقط غيّر مكانه.

هو الآن في كل حجر يُقذف، وفي كل أمٍّ تزغرد رغم الدم، وفي كل طفلٍ يقول “بدّي أرجع”.

أما من ظنّوا أنهم أنهوا الحكاية فليعلموا أن التاريخ لا ينام، وأنّ السمّ لا يقتل الفكرة.

 

يغيب الصوت ويظلّ أثر الكوفيّة على الكرسيّ الخشبيّ.

في الخارج، يعلو أذان المساء من رام الله كأنه نداء آخر للحرية.

ياسر عرفات لم يرحل، بل ترك الباب مواربًا لمن يكمل الطريق.

 

 

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

تنسيقية شباب الأحزاب: الانتخابات شهدت تطبيقا كاملا لتعليمات الهيئة الوطنية ومعايير الشفافية

عدد المشاهدات 5371 57   كتبت ياسمـين يسـري   تابعت غرفة العمليات المركزية بتنسيقية شباب …