بقلم محمد الدكروري
الحمد لله مصرّف الأوقات وميسر الأقوات فاطر الأرض والسماوات أهل الفضل والمكرمات،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا لعبادته ويسر لنا سبل الطاعات،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالحنيفية السمحة ويسير التشريعات،
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أفضل المخلوقات وأكرم البريات وعلى آله السادات وأصحابه ذوي المقامات
والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكلوا من الطيبات واعلموا الصالحات فاليوم حياة وغدا ممات،
ثم أما بعد يا أيها المسلمون إعلموا أن الأمة منصورة ودولة الباطل ساعة ودولة الحق
إلى قيام الساعة، وإن وعد الله تعالي قاطع جازم بينما يشاهد الناس أن الرسل وأتباعهم
منهم من يقتل ومنهم من يهاجر من أرضه وقومه مكذبا مطرودا.
وأن المؤمنين فيهم من يسام العذاب وفيهم من يلقى في الأخدود وفيهم من يستشهد وفيهم من يعيش في كرب وشدة وإضطهاد، فأين وعد الله تعالي لهم بالنصر في الحياة الدنيا؟ ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل ويفعل بها الأفاعيل، ولكن الناس يقيسون بظواهر الأمور ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير، فلو نظرنا إلى قضية الإعتقاد والإيمان في هذا المجال لرأيناها تنتصر من غير شك، وإنتصار قضية الإعتقاد هو إنتصار أصحابها والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم، قريبة الرؤية لأعينهم ولكن صور النصر شتى، فانظروا إلي الخليل إبراهيم عليه السلام وهو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا عن الدعوة إليها، أكان في موقف نصر أم في موقف هزيمة؟ وما من شك في منطق العقيدة أنه كان في قمة النصر وهو يلقى في النار.
كما أنه إنتصر مرة أخرى وهو ينجو من النار وهذه صورة وتلك صورة وهما في الظاهر بعيد من بعيد، فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في قمة النصر وهو يكرر قول الحق سبحانه وتعالي ” قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ” ولو أنه كان وحيدا بلا نصير ويضع عليه سلى الجزور، فاعلموا يا عباد الله أنه قد يبطئ النصر في عالم الواقع لأسباب كثيرة منها أن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ولم يتم بعد تمامها ولم تحشد بعد طاقاتها ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا، وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا.
لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله تعالي، وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله تعالي، وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله ، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه، وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لإستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو إنتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لإستقبال الحق الظافر ولإستبقائه.
ومن أجل هذا كله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية، ونسأل الله أن يعز الاسلام والمسلمين وأن ينصر الحق وأهله وأن يخذل الباطل وحزبه، فاللهم اجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك، وشوقته إلى لقائك، وحبوته برضاك، وفرغت فؤاده لحبك، اللهم ارحمنا، وارحم والدينا، وارحم من علمنا، والمسلمين أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم آمين والحمد لله رب
العالمين.
صدى – مصر من مصر لكل العالم