رفح على مفترق الأمل والخطر: بين وعود إسرائيل ونفي القاهرة

بقلم علياء الهواري

معبر رفح، البوابة الوحيدة بين قطاع غزة والعالم الخارجي، عاد ليصبح محور التوتر والجدل، حيث يعلق آلاف الفلسطينيين حياتهم على قرار فتحه أو إبقائه مغلقًا. المرضى، الجرحى، الأطفال، والعائلات المنكوبة يترقبون أي خبر، أي تصريح، أي مؤشر على إمكانية التنقل خارج القطاع بعد سنوات من الحصار المستمر.

الأخبار المتناقضة حول المعبر زادت من حالة القلق: إسرائيل أعلنت عن فتح المعبر قريبًا للسماح بخروج المدنيين، بينما نفت مصادر مصرية رسمية أي اتفاق حالي، مؤكدة أن أي فتح للمعبر سيكون في الاتجاهين، للدخول والخروج، بما يتوافق مع الخطة الأمريكية المقترحة.

هذا التناقض بين التصريحات يضع السكان في حالة ترقب دائم، ويطرح تساؤلات كبيرة عن من يملك القرار الحقيقي، وعن الجهة التي ستحدد مصير آلاف البشر في غزة

في الأيام الأخيرة، أعلن جهاز “COGAT” الإسرائيلي أن معبر رفح سيُفتح للسماح بخروج سكان غزة إلى مصر. جاء هذا الإعلان على خلفية الضغوط الإنسانية الدولية، خاصة مع ارتفاع عدد الجرحى والحالات الطبية الحرجة التي لا تستطيع غزة التعامل معها بسبب نقص المستشفيات والمعدات الطبية.

لكن اللافت في الإعلان أن فتح المعبر سيكون للسفر فقط دون أي ضمانات للعودة، ما يضع المسافرين في مأزق إنساني وسياسي معًا. المحللون الإسرائيليون يرون أن هذه الخطوة تأتي أيضًا في سياق سياسي، لمحاولة تحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي بعد الانتقادات المتزايدة بشأن حصار غزة وأوضاع المدنيين

في المقابل، أكد مصدر مسؤول في الهيئة العامة للاستعلامات المصرية أن أي تنسيق مع إسرائيل لفتح معبر رفح لم يتم حتى الآن. وأضاف المصدر أن أي فتح للمعبر سيشمل الاتجاهين للدخول والخروج، وأنه لن يكون هناك “خروج فقط”، موضحًا أن القرار يجب أن يحترم السيادة المصرية ويأخذ في الاعتبار الأمن القومي المصري.

هذا الموقف يعكس حرص القاهرة على عدم التورط في أي خطوة قد يُنظر إليها على أنها دعم لإجراءات إسرائيلية أحادية، أو أنها تحول معبر رفح إلى أداة ضغط على المدنيين الفلسطينيين.

خلف التصريحات الرسمية، يعيش المدنيون واقعًا مأساويًا:

المرضى الذين يحتاجون إلى علاج عاجل خارج غزة.

العائلات التي فقدت منازلها أو تبحث عن مأوى آمن.

الأطفال الذين يعانون من آثار القصف ونقص الخدمات الأساسية.

طول الانتظار أمام قرار المعبر يفاقم المعاناة ويزيد من التوتر النفسي لدى السكان. كما أن أي فتح محدود وغير متوازن قد يؤدي إلى فرز إنساني، حيث يضطر البعض للخروج وترك أقربائهم خلفهم، ما يخلق مأساة اجتماعية إضافية.

إدارة معبر رفح ليست مجرد مسألة لوجستية، بل ورقة سياسية واستراتيجية على عدة مستويات:

إسرائيل: تستخدم الإعلان عن فتح المعبر لتخفيف الضغوط الدولية، وإظهار نفسها كطرف إنساني مهتم بالمدنيين، خصوصًا بعد الانتقادات الدولية المتزايدة.

مصر: تتصرف بحذر شديد، وتضع شروطًا دقيقة لضمان أن أي فتح للمعبر لا يعرض أمنها القومي للخطر، ويحافظ على دورها كوسيط محايد ومسؤول.

المجتمع الدولي: يضغط من أجل فتح المعبر لتخفيف المعاناة الإنسانية، لكنه يعتمد في كثير من الأحيان على البيانات الرسمية التي قد تتناقض مع الواقع الميداني.

في النهاية، المدنيون هم الحلقة الأضعف في هذا الصراع السياسي، حيث يتحولون إلى ورقة ضغط بين الأطراف المتنافسة.

السيناريوهات المحتملة

فتح محدود للخروج فقط:

سيؤدي هذا إلى خروج بعض المرضى والحالات الحرجة، بينما ستبقى العائلات الأخرى محاصرة داخل القطاع، ما يزيد من الأزمة الإنسانية.

فتح ثنائي الاتجاهات:
إذا وافقت مصر رسميًا على فتح المعبر في الاتجاهين، يمكن أن يكون المعبر مخرجًا إنسانيًا مؤقتًا، ويساعد في تخفيف الضغط على القطاع، مع ضمان عودة السكان بعد انتهاء الأزمات الطارئة.

إبقاء الإغلاق:
استمرار إغلاق المعبر سيؤدي إلى تصاعد المعاناة الإنسانية، وزيادة الضغط على المستشفيات، ونقص الخدمات الأساسية، مع تداعيات خطيرة على الحياة اليومية للسكان.

معبر رفح ليس مجرد بوابة؛ إنه آخر صلة غزة بالعالم الخارجي. غيابه يعني عزلة شبه كاملة.

القرار سياسي بامتياز، لكن أثره إنساني مباشر.

كل تأخير في القرار يعني مزيدًا من الألم والمعاناة والموت الصامت.

الجدل حول المعبر يوضح هشاشة التفاهمات الإنسانية والسياسية، ويكشف كيف يمكن للسياسة أن تتحكم بمصير البشر دون مراعاة لحاجاتهم الأساسية.

معبر رفح ليس مجرد بوابة عبور، بل اختبار حقيقي للعدالة الإنسانية والسيادة الوطنية. في هذا السياق، يظهر موقف مصر بمثابة الضامن للمصلحة الإنسانية الحقيقية، إذ تؤكد أن أي فتح للمعبر يجب أن يكون في الاتجاهين، بما يضمن خروج المدنيين وعودتهم، ويحمي حقوقهم كاملة دون أن يتحول المعبر إلى أداة ضغط سياسية.

مصر بهذا الموقف تؤكد دورها كوسيط مسؤول يوازن بين المصالح الإنسانية والأمنية، وتضع حياة المدنيين فوق أي اعتبارات سياسية أحادية.

القرار المصري يرسل رسالة واضحة: رفح لن يُفتح إلا عندما تكون الظروف عادلة وآمنة لجميع سكان غزة، ولن يُسمح باستخدامه لتحقيق مكاسب سياسية.

بهذه الرؤية، تبقى القاهرة الركيزة الأساسية لضمان حقوق المدنيين، وحامي الحياد الإنساني في مواجهة التعقيدات السياسية، مؤكدة أن الإنسان أولاً، والسياسة بعد ذلك

شارك مع اصدقائك

عن .فرحه الباروكي

شاهد أيضاً

لا تشبع من طول صحبته

500 121 بقلم محمد الدكروري إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور …