بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجزِ لفظ وأعجزِ أسلوب،
فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء،
أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى،
معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار،
ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد اتقوا الله أيها المسلمون،
وإنظروا إلى هذه الحوادث بعين البصر والبصيرة والعقل والتعقل،
واعلموا أن لكل بداية نهاية ولكل أجل كتاب، وسنتنا هذه كان لها بداية،
وها هي الآن تنتهي ليخلفها سنة أخرى، تبتدئ ثم تنتهي،
وكما كان للدنيا بداية قبل مئات السنين فإن لها أجلا تنتهي عنده،
لا يعلم حينه إلا الله تعالى، وهذه الأرض وما يدب عليها من ملايين البشر والحيوان والوحش والطير.
وما فيها من بحار وجبال وعمران، وحركة دائبة لا تتوقف، مضى أزمان لم تكن موجودة قبل خلق الله تعالى لها، ومضى عليها زمن بعد خلقها خالية من الأحياء التي تعمرها، وسيأتي على عمرانها يوم يعود خرابا كأن لم يكن من قبل وذلك حينما يأذن الله تعالى بانتهاء أجلها، فتسجّر بحارها، وتسيّر جبالها، وتتناثر كواكبها، وتكوّر شمسها، ويخسف قمرها، وتنشق سماؤها، ويبعث أحياؤها من بطنها للحشر والحساب والجزاء لتكون نهاية المكلفين من الجن والإنس هو الخلود في الجنة أو في النار، فإنها بدايات عجيبة، ونهايات أعجب، علمها العليم الحكيم، وقدرها اللطيف الخبير، في نظام بديع دقيق، ووَفْقَ حكمة بالغة، وعلينا أن ننظر في بداية هذا الأمر كله وهو في بداية الخلق، وبداية الإنسان وبداية التكليف، ثم إنتهاء ذلك كله على وفق ما جاء في النصوص المعصومة.
من الكتاب والسنة، ومعرفة ذلك تعني معرفة أسباب وجودنا، وماذا يريد منا من أوجدنا من العدم، وربانا بالنعم؟ ثم ما هو مصيرنا ونهايتنا؟ والعاقل من يسعى في صلاح ما يبقى، والأحمق من يقدم ما يفنى على ما يبقى فلا ما يفنى بقي له، ولا هو أصلح ما يبقى، وإن علم بدايات الخلق والإنسان والتكليف، ومعرفة المرجع والمصير ليست عندنا معاشر المسلمين أوهاما نتوهمها، أو تخيلات طرأت على عقولنا، أو توقعات أنتجتها أفكارنا، أو إستجلبناها من بشر مثلنا، ولكنها حقائق من رب العالمين، ويقين مسطور في الكتاب والسنة، وجاء فيهما تفصيل البدايات والنهايات بما لا مجال فيه لمتوهم أو خراص أو كاهن أن يقولوا فيه قولا، فالله تعالى هو الخالق، خلق خلقه لحكمة يريدها، ابتدأهم وهو القادر على إعادتهم وبعثهم بعد موتهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بداية الخلق.
لمّا جاءه أهل اليمن فسألوه وقالوا “جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان”؟ فقال عليه الصلاة والسلام “كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء” رواه البخاري، وفي رواية له ” كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض” وأول شيء خلقه الله تعالى عرشه كما جاء في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو مرفوعا قال ” كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وكان عرشه على الماء” فلما أراد سبحانه وتعالى تقدير كل شيء خلق القلم، وأمره بالكتابة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
“إن أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له اكتب، قال ربّ وماذا أكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة” رواه أبو داود والترمذي، ولفظه ” اكتب القدر، ما كان وما هو كائن
إلى الأبد”
صدى – مصر من مصر لكل العالم