بقلم محمد الدكروري
لقد روي شيخ الإسلام ابن جرير الطبري رحمه الله في موضوع الحوار الذي دار بين سيف الله المسلول خالد بن الوليد مع القائد الرومي جرجة في معركة اليرموك، فقال انه تطرق للحوار قائلا وخرج جرجة حتى كان بين الصفين ونادى ليخرج إلي خالد فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه، فوافقه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه، فقال جرجة يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاه لك فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟ وخالد رضي الله عنه رد علي القائد الرومي لا، قال جرجة فبم سُميت سيف الله ؟ قال خالد رضي الله عنه إن الله عزوجل بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعا.
ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه، ومضي خالد بن الوليد في حوار مع القائد الرومي قائلا فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه، فقال صلى الله عليه وسلم ” أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ” ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله، بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين، وأثار كلام خالد بن الوليد ارتياح القائد الرومي الذي رد بقوله صدقتني، ثم أعاد عليه جرجة تساؤلاته، يا خالد أخبرني إلي ما تدعوني ؟ قال خالد رضي الله عنه إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله، فقال جرجة فمن لم يجبكم ؟ فقال خالد رضي الله عنه فالجزية ونمنعهم، فالقائد الرومي استفسر من نظيره المسلم فإن لم يعطها ؟
قال خالد رضي الله عنه نؤذنه بحرب ثم نقاتل، فقال جرجة فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟ قال خالد رضي الله عنه منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا، ثم أعاد عليه جرجة هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر ؟ فقال خالد نعم وأفضل، قال جرجة وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ قال خالد رضي الله عنه إنا دخلنا في هذا الأمر، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب، ويرينا الآيات، فالقائد المسلم الكبير استرسل في شرح الأمر لجرجة، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا.
ومظاهر الثقة بدأت تتسلل لجرجة قائلا بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تؤلفني ؟ قال خالد رضي الله عنه بالله لقد صدقتك، وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة وإن الله لولي ما سألت عنه، فقال جرجة صدقتني وقلب الترس ومال مع خالد، وقال علمني الإسلام، وخالد بن الوليد مال إلى فسطاطه فألقي عليه قربة من ماء ثم صلى ركعتين، وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم، عكرمة والحارث بن هشام، وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادى الناس فثابوا، وأسلام القائد الرومي فتت في عضد جنوده فتراجع الروم إلى مواقفهم فزحف إليهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد، وجرجة.
من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، ثم أصيب جرجة ولم يصلي صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما، وهنا أدرك القائد البيزنطي سماحة الإسلام وفتح الله قلبه للدخول فيه وقد كان لردود بن الوليد أكبر الأثر في اقناع القائد البيزنطي والذي عاد مع جيش المسلمين لمحاربة الروم بعد أن كان واحدا من كتائبهم.
صدى – مصر من مصر لكل العالم