من الحقول إلى الحزام الاستيطاني: تحوّل الاستنزاف العسكري إلى استيطان سياسي على الحدود المصرية–الإسرائيلية”
.فرحه الباروكي
23 أغسطس، 2025
تقارير وتحقيقات
عدد المشاهدات 5371 93
تقرير ؛ علياء الهواري
في ظل العلاقات المصرية–الإسرائيلية المتوترة بسبب العدوان المستمر على غزة، برزت مؤشّرات جديدة على طموح إسرائيلي
لتثبيت موطئ قدم دائم على الحدود الجنوبي للكيان عبر تحول مستحدث: قرية “زراعية” جديدة قيل إنها تقع على مسافة 11 كيلومتراً فقط من معبر كرم أبو سالم، وتشتمل في الواقع على جنود مسرّحين يعملون كمستوطنين مدنيين بعلم رسمي.
هذا المشروع يأتي في إطار خطة استراتيجية أوسع، يُعلن عنها عبر شعارات مثل “الأمن الغذائي 2050” و”هدف صهيوني”، وهو ما يثير تساؤلات حول تحوّل الخطط العسكرية إلى أدوات استيطان هجينة مدنية تُمكّن إسرائيل من إحكام السيطرة على الحدود الجنوبية.
يُطرح المشروع عبر غلافٍ مدني: “قرية زراعية” تَعد بالعمل على الأمن الغذائي، وتُسوق كخطوة إنمائية، لكن ما وراء ستاره ينطوي على أهداف عسكرية وسياسية.
العناصر العسكرية—جنود سابقون—يُحوَّلون إلى مستوطنين، يضغطون تدريجياً على أرض المعابر الحدودية، وفي الوقت نفسه يُحافظون على طابعهم الأمني والتدريبي.
يُقال إن هذا “الغطاء الزراعي” هو نقطة انطلاق لسلسلة قرى مستوطنة—هُوية بمعنى مزدوج (مدني/عسكري)—في المثلث الجغرافي الحساس بين مصر، غزة وإسرائيل
الأهداف الاستراتيجية والرسالة السياسية
3.1 الأمن القومي والتحكم الديموغرافي
المشروع محسوب داخل خطة طويلة الأجل تُعرف باسم “الأمن الغذائي 2050″، أي أنه ليس منفرداً، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية نسقت بين عدة وزارات لتثبيت النفوذ.
هذه الخطوة تعيد القضية إلى باب مسلّح: كل محراث وآلة ري هنا تُصاحبه آلة دقيقة أو بندقية، كما رُوج في وصفك الوطني لـ”كل محراث وماكينة ري وراءها بندقية”.
3.2 رسائل ردعية وتأكيد الاستيطان
صورٌ مثل “معًا سننتصر، شبات شالوم” تعبّر عن مرونة الخطاب بين الزراعة والمقاومة؛ تُستخدم لغرس فكرة أن الاستيطان مدعومٌ بالروح القتالية.
طرح حكومي من مسؤول باسم (كما وصفتِ) “وزير ذليل”، استعرض الأمر بفخر واعتُبر الـ”محرّك الأول” لكبح أي معارضة داخلية أو خارجية.
مصر تراقب وتصعّد حذرها
مصر تصر على حقها في أمنها القومي، وسبق أن عبّرت عن رفضها لأي توسع مستدام على حدودها، خصوصاً في ظل الملفّات الهجرة القسرية أو إنشاء ما يُشبه “مدن مؤقتة للمهاجرين الفلسطينيين” في سيناء، وهو ما اعتُبر تهديداً مباشراً للسيادة الوطنية
كذلك، القاهرة قد تُعيد الانتساب إلى الاتفاقيات الماضية (مثل معاهدة السلام 1979) لفرض حدود لوجستية وسياسية على مثل هذه المشاريع.
4.2 المجتمع الدولي
حتى وقت قريب، شهدنا إدانة من مصر ودول أخرى (مثل قطر والاتحاد الأوروبي) للخطوات الاستيطانية في الضفة والقدس، واعتبارها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة (مثل القرار 2334
هذه القرارات تُضفي مزيداً من الشرعية على الموقف المصري الرافض وتحفز الضغط الدولي لوقف المشروع أو تقييده قانونياً.
الاستنتاج والتوصيات
المشهد الذي تصوّرينه في هذا المشروع يشي بمزيج ذكي من القوات السابقة، الاستيطان المدني، والتخطيط طويل الأجل، لتشكيل “جبهة أمنية” إسرائيلية مزروعة على مقربة من الحدود المصرية.
نقاط ضعف المشروع:
يبدو، من احتمالاته الحالية، أنه يُشكل تهديداً مباشراً للسيادة الأمنية المصرية في المنطقة الحدودية.
طبيعة المشروع كامنة في إعلان استراتيجي خبيث، يعكس رغبة في إحكام السيطرة تدريجياً—بواسطة الوقائع الأرضية بدل النزاعات العسكرية المباشرة.
يمكن أن يؤدي إلى تصعيد في العلاقات الأمنية، خصوصاً إذا تطوّرت ردود فعل مصرية على نحو عملي أو قانوني—كالضغط الدبلوماسي أو التنسيق الأمني المختلف.
توصيات للرد المصري:
الضغط السياسي والدبلوماسي عبر المنابر الدولية لتسليط الضوء على طبيعة هذا الاستيطان.
تعزيز التعاون الإقليمي مع دول عربية وإسلامية تدين التوسع الاستيطاني لإحداث موقف موحّد.
تحصين الحدود عبر التنسيق العسكري مع المخابرات لضمان عدم انزلاق الوضع إلى تهديد فعلي.
التأكيد على السيادة في المحافل القانونية: لا شرعية لأي تحول عسكري أو استيطاني دون الاتفاق المصري أو تفويض قانوني.
ما حدث ليس مشروعاً زراعياً عابراً، بل خطوة استراتيجية بعيدة المدى، تؤسّس لخط دفاع مستقبلّي على حدود مصر، في غياب مشروع سياسي لحل النزاع الفلسطيني.
لم تستعملِ عبارة “حقول حقيقية” بالصدفة. هذا الحزام الفاعل هو فيل في الغرفة: ليس مجرد “حقل” بل “حزام أمني استيطاني” يهدف لاستعمار البر السياسي تدريجياً.
إن الخطر الحقيقي هنا يكمن ليس في أدوات الزراعة، بل في سحر التحوّل المدني ذي الغطاء الأمني. الرد المصري يجب أن يكون حاسماً، على مستويات الأمن والدبلوماسية والقانون الدولي، كي لا تصبح الحدود المصرية عرضة لتوظيف سياسي تدريجي لمصالح ذات بعد استيطاني.