التفكر والإعتبار بمصائر الأمم

بقلم محمد الدكروري

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر التربوية والتعليمية الكثير عن دور العقل في بناء الانسان أو هلاكه، فعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحدن فقالوا هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما إشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع، فبهت القوم ورجعوا إلى الحق.
وأسلموا على يديه، وكما أن من ثمرات التفكر هو الإعتبار بمصائر الأمم، فعن جبير بن نفير قال لما فتحت قبرص فُرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا الى ما ترى، فمن تأمل وجد أن التاريخ مملوء بحوادث تقلبت فيها أحوال أفراد ودول وأمم، فعز فيها من كانوا أذلة، وذل فيها من كانوا أعزة، وسادت دول ثم بادت، ليخلفها في السيادة غيرها، ورأينا ذلك رأي العين في أفراد افتقروا بعد الغنى، وآخرون اغتنوا بعد الفقر، ورأينا دولا إرتفعت ثم سقطت ليخلفها غيرها، حيث قال تعالى ” فاعتبروا يا أولي الأبصار ” وكما أن من ثمرات التفكر.
هو معرفة آيات الله في الأرض والانفس، حيث قال تعالى ” وفي الارض آيات للموقنين وفي انفسكم أفلا تبصرون ” وكما أن من ثمرات التفكر هو معرفة آيات الله في خلق السموات، فمن تفكر في خلق السماوات أظهر له جليا بناء بغير عمد ترونها فيقول تعالي ” وزيناها للناظرين ” وكما يقول تعالي ” ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور” وكما يقول تعالي ” والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ” فمن أنت بالنسبة لسعة السماء الأولى التي لا تساوي شيئا في الثانيه، وكما أن من ثمرات التفكر هو معرفة أن العقل جمال المرء، وقيل لابن المبارك ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال غريزة عقل، قيل فإن لم يكن؟ قال أدب حسن، قيل فإن لم يكن؟ قال أخ صالح يستشيره، قيل فإن لم يكن؟ قال صمت طويل، قيل فإن لم يكن؟ قال موت عاجل، وكما أن هناك من الأمور المعينات.
على الفكر وصناعة العقل، ومنها الخلوة، فالخلوة أدعى للتفكر والتأمل والتذكر، حيث قال ابن تيمية لابد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وأيضا ترديد الآيات وتكرارها، حيث قال الإمام الغزالي لا يوجد أنفع من قراءة القرآن بالتفكر فإنه جامع لجميع المقامات والأحوال وفيه شفاء للعالمين، وأيضا التفكر في الكون والإقتداء بالانبياء، ولقد كانت عبادة التفكر دأب النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم منذ تحنثه وهو شاب في غار حراء وظل ذلك ديدنه حتى لحق بالرفيق الأعلى، وكذلك كان الخليل إبراهيم عليه السلام مفكرا متأملا، فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا يا رب العالمين.

شارك مع اصدقائك

عن محمد البحيري

شاهد أيضاً

الفوائد اللغوية من قصة ذي القرنين

500 118 بقلم محمد الدكروري الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى على آلائه ونعمه التي …