المحافظة على البيئة ليست قضية ثانوية

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه، وأمدّه بالنعم، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا،

وأمره بالإصلاح وحذَّره من الفساد في الأرض فقال سبحانه وتعالي ” ولا تفسدوا في الأرض

بعد إصلاحها ” وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

الذي قال ” إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون ” رواه مسلم

أما بعد لقد حرم ديننا الإسلامي الحنيف الإفساد في الأرض، ونهى عن التخريب الذي يتسبب فيه الإنسان للبيئة السليمة ككل، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال ” كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمررنا بقرية نمل، فأُحرقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لبشر أن يعذّب بعذاب الله عز وجل” فهذه الحيوانات إذا لم تضر، فلماذا تقتل؟ كما أن هذه المخلوقات لها دور بيئي، وقتلها دون مبرر.

 

هو تعدي على خلق الله تعالي، وكم نرى في واقعنا الحالي من شخص يخرج للتنزه في البرّ، فيترك خلفه نارا مشتعلة ربما تسببت في حريق هائل وكم من سائق يدعس حيوانات في الطريق بلا مبالاة، وكم من مؤسسة تقطع الأشجار بدون مبرر، ودون بدائل أو تعويضات، فيجب أن نعلم أن الحفاظ على البيئة ليس ترفا، بل فريضة شرعية لأن الإفساد في الأرض من الكبائر ويكفي في ذلك قول الله عز وجل قال ” ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ” فلا تترك أثرا مفسدا في البر أو البحر أو الحي، وعلم أولادك أن الشجرة ليست للعبث، بل للظل والطعام والجمال، وراقب الله حين تتصرف في النعم التي إستخلفك الله عليها لتعميرها لا لتخريبها، فإن المحافظة على البيئة ليست قضية ثانوية، بل هي جزء من عقيدتنا، ومطلب من مطالب شريعتنا، ومسؤولية جماعية.

 

لا تخص جهة دون أخرى، ولقد خلق الله تعالي الكون بنظام دقيق، وجعل فيه توازنا عجيبا بين النبات والحيوان والإنسان، وهذا يعني أن الله تعالي سخر هذه المخلوقات لخدمة الإنسان، وأمره في المقابل ألا يتلفها ولا يفسدها، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الذين يقطعون السدر يصبّون في النار على وجوههم صبّا ” رواه الطبراني، وقال الهيثمي ورجاله كلهم ثقات، ويقول عليه الصلاة والسلام ” ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ” متفق عليه، ويقول عليه الصلاة والسلام ” من قطع شجرة، فليغرس مكانها” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” دخلت امرأة النار في هرّة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض ” متفق عليه.

 

فكيف بمن يفني بيئة كاملة، أو يقتل مئات الكائنات دون وجه حق؟ بل يقول نبينا صلى الله عليه وسلم ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن إستطاع أن يغرسها فليغرسها ” رواه أحمد، وهذا الحديث الشريف من أعظم ما يظهر عظمة الإسلام في الحفاظ على البيئة، حتى في أحلك لحظات الفناء، وكما ذكرت المصادر الكثير عن منهجية الحفاظ على البيئة في الثقافة العربية الإسلامية، ولعل من المفيد هو الإشارة إبتداء إلى أن من سنن الله الكونية أنه خلق كل كائن في هذا الكون ليؤدي وظيفته بما يتناسب مع الغاية من خلقه للحفاظ على مبدأ التوازن بين المخلوقات في الكون، وبذلك يمضي حفظ الحياة على أسلم وجه، وهكذا فإن أي خلخلة لهذا القانون المركزي في الكون تعني بشكل أو آخر تغييرا في نسب مكونات الطبيعة، مما يفضي بالنتيجة إلى بروز ظاهرة التلوث لذلك فإن التلوث يعني بأبسط تعريف له إخلالا بمعادلة حفظ توازن مكونات البيئة وإستنزافها، الأمر الذي يجعل الحفاظ على البيئة بالحد من ذلك التصرف السلبي واجبا شرعيا، ومسؤولية أ

خلاقية.

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

الصراع بين فكرة وفكرة

عدد المشاهدات 5371 114   بقلم / محمـــد الدكـــروري الحمد لله العليم الخبير، السميع البصير، …