المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة
.فرحه الباروكي
26 أكتوبر، 2025
الدين والدنيا
عدد المشاهدات 5371 109
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي شمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد فسبحانه القائل ” وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين
” وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله هو أفضل النبيين
والمؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى اله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد يقول الله تعالي في كتابه العزيز ” وجادلهم بالتي هي أحسن ” والجدال يعني المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة،
وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله، وقيل الأصل في الجدال الصراع، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة، أما في الشرع فقد استعمل في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وردت مادة الجدال في القرآن الكريم كثيرا.
وذلك لأهميتها، والجدال بالتي هي أحسن هو أسلوب له قيمته في نجاح الدعوة إلى الله تعالى، فليس أسرع إلى القلوب وأحب إلى النفوس من قول يهدي إلى الحق والخير، وذلك بالمسالمة والحسنى، أما السفسطة ومحاولة الغلبة عن طريق الخشونة والطعن، فهذا أسلوب مرفوض يؤدي إلى نتيجة عكسية، وينفر المستمع من الكلام حتى لو كان حقا ومن أجل ذلك أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجادل بالتي هي أحسن، وأن يستعمل الرفق واللين وحسن الخطاب في دعوته، والجدال بالتي هي أحسن يمثل الطريقة العملية المثلى للوصول إلى القلوب، فلو لاحظنا الطرق الجدلية المعتمدة على التماس نقاط الضعف عند المخالف، وتوجيه الضربات المتلاحقة مستغلين نقاط الضعف، وإثارة أعصابه بالأساليب العنيفة المنافية لإحترام ذاته وفكره، لوجدنا أنها غير مفيدة.
لأنها تهاجم كبرياء الإنسان وكرامته في الصميم، وتجعله يعاند ويرفض الاستماع للكلام ولو كان حقا ولذلك لا بد أن تشعر المخاطب أنك وهو رفيقان في رحلة الوصول إلى الحق، ومن هنا فليست هناك طريقة تأخذ بيدي هذا الإنسان الحائر إلى شاطئ النجاة سوى طريقة الجدال بالتي هي أحسن كما بيّن ذلك القرآن الكريم، وهذا الإستعمال قد يكون محمودا، وقد يكون مذموما، فالجدال المحمود يكون بإظهار الحق والوقوف عليه، والجدال المذموم يراد منه المراوغة والمكابرة والمعاندة، وإنما نصّ القرآن الكريم على أن يكون الجدال مع خصوم الدعوة بالتي هي أحسن لأن الجدال في أصل إستعماله اللغوي يتضمن معنى شدة الخصومة لأن كل طرف يسعى إلى إظهار خطأ ما عند الآخر بكل ما يستطيع، وهذا قد يؤدي إلى شيء من التقبيح بحق وبغير حق بغية الإنتصار في الجدل.
فإذا أدى الأمر إلى شيء من ذلك لم يكن جدالا حسنا، كما أنه لا يليق بالدعوة الإسلامية لأنها حق في حد ذاتها ووسائلها ومنهجها، لا تخرج عنه إلى باطل أبدا، ولأن ما فيها من الحق يغنيها عن ذلك، وينبغي للمتناظرين أن يلتزما الآداب في المجادله ومنها أن يكون الكلام غير طويل ولا مختصر، وأن يتجنبا الألفاظ الغريبة والمجملة، وأن يكون كلامهما ملائما للموضوع، وألا يقلل أحدهما من شأن صاحبه، وأن يقصد كل منهما ظهور الصواب، وألا يتعرض أحدهما لكلام صاحبه قبل أن يفهم غرضه منه، وأن ينتظر كل منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه، والتسليم بالقضايا التي هي من المسلمات والمتفق عليها عند الطرفين، وقبول النتائج التي توصل إليها الأدلة القاطعة والأدلة الراجحة، وأسأل الله تعالي أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يفقههم في الدين.