حال اليهود في الدولة المملوكية

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده

لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وأصحابه

ومن اهتدي بهداهم إلي يوم الدين أما بعد ذكرت المصادر التاريخية في حكايات الدولة المملوكية،

أنه كان لمحاولات إسترداد بيت المقدس التي لم تتوقف بخروج الصليبيين

من الشام بالغ الأثر على سياسة دولة المماليك وإنعكس ذلك بالطبع على الموارنة

والمسيحيين عموما، وكان الملك اللاتيني من آل لوزينيان يعد نفسه وريثا لعرش بيت المقدس وقد إحتل ريتشارد قلب الأسد قبرص في طريقه إلى

عكا في الحملة الصليبية الثالثة، وباعها لفرسان الداوية فعجزوا عن إيفاء ثمنها،

فباعها سنة ألف ومائة واثنين وتسعين ميلادي، لغي دي لوزينيان وهو ملك بيت المقدس المطرود منها على يد صلاح الدين.

 

وبذلك تأسست الأسرة المالكة في قبرص وهو يتوج في الأفقسية أولا كملك لقبرص، وثانية في اللمسون أقرب مدينة قبرصية إلى فلسطين بصفته ملكا على بيت المقدس في إحتفالية ترمز لعدم التخلي عن ضم الأراضي المقدسة، وقام بطرس الأول اللوزينياني بجولة أوروبية لحشد الدعم والمتطوعة وجمع التبرعات لحملة صليبية على مصر، تلك التي إنتهت بغزو الإسكندرية من السادس من اكتوبرإلى العاشر من اكتوبر عام ألف وثلاثة مائة وخمس وستين ميلادي، وكانت المرة الوحيدة في التاريخ التي يغير فيها حاكم قبرصي على مصر محدثة دمارا لم تشهده المدينة طيلة تاريخها، وتركتها في خمسة أيام خرابا يبابا ماديا وبشريا، وبلغ من دويها أن ثار مسلمو غرناطة وهاجموا المدن القشتالية حمية، وقد خلفت هذه السياسة أسوأ الأثر على علاقات دولة المماليك الخارجية تجاه أوروبا.

 

والداخلية حيال المسيحيين، وعندما تولى الأشرف برسباي الظاهري الحكم بادر لثلاث سنين متوالية لإرسال ثلاث حملات لإحتلال قبرص إنتهت بالإستيلاء عليها وفرض الجزية عليها، ولم يك ذلك لقوة نظامها الحاكم وخطورة شأنه في حينه بقدر ما كان لمنع سقوطها بيد البنادقة اللاتين الذين مافتؤوا يتدخلون في الصراع على العرش والذين أفلحت محاولاتهم أخيرا في شراء المملكة من آخر ملكة في أسرة لوزينيان في فترة الاحتلال البندقي، ولقد كان الأمر قضية توازنات دولية وإحترازا من أن يعود للأوروپيين موطئ قدم ثانية في المشرق، وبالمثل كانت العلاقات مع أوروبا السبب الرئيس لأن يشوب علاقة السلطنة مع مملكة قيليقية الأرمنية دوما التوجس والريبة وعدم الثقة، أما اليهود فكانوا أقلية يشتغلون في مختلف الأعمال لاسيما التجارة، وإتساع ثروة مصر وتجارتها.

 

ذلك العصر جذبت كثيرا من يهود القسطنطينية وبغداد ودمشق وغيرها حتى صار لليهود نفوذ كبير على النشاط المصرفي والأعمال المالية، وقد إحتفظ اليهود في مصر بمعابدهم وعوائدهم ونظمهم الموروثة، وإنقسم اليهود في مصر والشام خلال العصر المملوكي إلى ثلاث فرق، الربانيون والقراؤون والسامرة، وسكنوا في المدن داخل أحياء خاصة بهم مثل حارة اليهود التي اشتهرت بهم في بيت المقدس، وكذلك في حلب وخاصة في الشمال منها، وكان لليهود مناطق خاصة بهم في طرابلس وحماة، وإحتوت دمشق على طائفة يهودية كان لها حيها ورئيسها الخاص، ويلحظ أن أعداد اليهود في مصر والشام إزدادت خلال القرن العاشر الهجري بسبب سقوط الأندلس وتعرض أهلها من المسلمين واليهود إلى إضطهاد محاكم التفتيش الكاثوليكية، فهرب الكثير منهم ناجيا بحياته والتجأ إلى مصر والشام طلبا للأمان.

 

كما يلاحظ أن اليهود زاد نفوذهم في الدولة المملوكية ووصل بعض رجالاتهم إلى مراكز متقدمة في مصر، فقد ذكر الرحالة اليهودي ميشولام أن مترجم السلطان المملوكي كان يهوديا من أصل أندلسي، وكان يجيد سبع لغات هي العربية والإيطالية والتركية والألمانية والإفرنسية إلى جانب العبرانية ويدل هذا أن الأمر عائد بالدرجة الأولى إلى سياسة البابوية والدول الأوروبية المعادية لليهود، في حين أن علاقات هذه بالموارنة قد أساءت إليهم من حيث التوجس منهم وعدم الميل لإستخدامهم في الوظا

ئف العامة.

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

مظاهر التكريم الرباني لبني آدم

500 186 بقلم محمد الدكروري الحمد لله وكفى، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، …