مظاهر التكريم الرباني لبني آدم
دكتوره مرفت عبد القادر
5 ديسمبر، 2025
الدين والدنيا
500 186
بقلم محمد الدكروري
الحمد لله وكفى، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى،
والصلاة والسلام على النبي المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين وشفيعنا يوم الدين،
وعلى آله وصحبه وسلم، ثم أما بعد يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل
كما جاء في سورة الإسراء ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر
ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا ” ومن مظاهر هذا التكريم الرباني لبني آدم هو إعطائهم التمييز والعقل،
الذي هو مناط التكليف، وبه يعرف الحق تبارك وتعالى، ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه وجنانه،
فالعقل مظهر من مظاهر التكريم لبني آدم، اختصهم الله تعالي به عن بقية الكائنات، والحيوانات، والعقل أيها الأخوة الأحباب هو الآلة التي يفكر بها الإنسان، ويوازن بين الأمور، ويتبين الخير من الشر، والحلال من الحرام ويميز الصالح من الفاسد، والنافع من الضار.
فيأخذ بالحلال، والصالح، والنافع، ويترك الحرام والفاسد والضار، ولذا سمي العقل عقلا، وحجرا، لأنه يعقل الإنسان ويحجره، أي يحبسه ويمنعه عن الحرام والفاسد، والضار، وقد دعانا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى إعمال عقولنا، والتفكير بها، وكذلك جاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعتنا إلى ذلك، ولقد ذم الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم من لا يستخدم عقله ليصل به إلى الإله الواحد، وإلى قضية التوحيد، فالإستماع والعقل مظنة الإستجابة لدعوة الرسل إلى التوحيد، وهؤلاء الكفرة والمشركين أكثرهم ليس لديه إستماع جيد، ولا عقل يعي به ومن ثم فقد سدت عليهم منافذ الإستجابة والإيمان، فكانوا كالأنعام بل هم أضل سبيلا منها، فبالعقل أيضا يتمايز البشر عن بعضهم البعض، فليس العاقل كالأحمق، وليس اللبيب كالسفيه والأخرق، ومن هنا جاء الإسلام.
وخاطب العقول أولا، وحرص أيما حرص على تنبيهها، وإيقاظها من غفلتها، ومن هنا كثر في القرآن الكريم الحث على إستخدام العقل في قضية الإيمان والتوحيد، فقد جاءت صيغة الخطاب الموجه للسامعين ” أفلا تعقلون ” اثنتا عشرة مرة، وبصيغة الغيبة أيضا مرة واحدة في سورة “يس” فقال سبحانه وتعالى تعريضا بهم ” ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ” ولقد ذكرت المصادر أن هناك ستة طرق لتنمية العقل والفكر، ومنها هو ملازمة العلماء والإقبال عليهم، فهذا من صناعة العقول وإنارتها، وتنمية الفكر فقد إبتليت الأمة بمجموعة من مقطوعي النسب العلمي، فرقوا الأمة، وشرذموها، وكفروا علمائها وفقهائها، وإعتدوا على تراثها بضيق أفقهم، وضحالة تفكيرهم وعقولهم، فانظروا إلى من إليه المنتهى في علم التفسير كما يقول الإمام السيوطي في كتابه “مشتهى العقول”
إنه سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، الذي بلغ من العلم مبلغا جعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلسه في مجلسه، ويدخله مع كبار الصحابة رضي الله عنهم من أشياخ بدر وغيرهم، وجعله يسأله ويرجع إليه في أشياء خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك كان يلقب بفتى الكهول، وإن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما لم يبلغ تلك المنزلة العالية، والمكانة السامية عند أمير المؤمنين إلا بجده وإجتهاده وبنائه لنفسه وذاته، وصناعته لعقله، فقد كان يسعى إلى العلم، ويكابد في سبيل نيله وتحصيله، ولا يتكبر على شيوخه، ولم يتكل على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له ” اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ” رواه أحمد، وفقط، انظروا إليه وهو يقول لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير.
” فقال واعجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما ” فترك ذلك واقبلت علي المسألة فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فىتيه وهو قائل أي نائم وقت الظهيرة، فأتوسد ردائي علي بابه، فتسفي الريحن أي تثير وتلقي، علي وجهي التراب فيخرج فيراني، فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول ” لا أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث ” قال فبقي الرجل حتي رآني وقد اجتمع الناس علي ” فقال كان هذا الفتى أعقل مني ” روا
ه الدارمي.