وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذكره، الذي إذا أُطيع شكر،

وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعي أجاب، وإذا استُعيذ به أعاذ،

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن نواقض الوضوء،

وقيل أن من موجبات الوضوء هو مس الفرج من غير حائل،

وكان هناك إختلاف في ذلك الأمر، سواء كان بالقصد أو من غير عمد،

وأما عن دليل من اشترط العمد في المس للفرج، فالدليل الأول هو قول الله تعالى ” وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ”

فدلت الآية على عدم النقض بالنسيان والخطأ،

وليس في الآية دليل على عدم النقض بالعمد لأن الآية ليس فيها إلا نفي الجناح، والمقصود به الإثم.

 

ونفي الإثم لا يدل على بقاء الطهارة، وأما عن الدليل الثاني، هو قول العلماء إن الشرط في مس الذكر أن يمس بقصد وإرادة، لأن العرب لا تسمي الفاعل فاعلا إلا بقصد منه إلى الفعل، وهذه الحقيقة في ذلك، ورجح ذلك الإمام ابن عبد البر، وإختاره الإمام ابن تيمية في الفتاوى، وقال إذا لم يتعمد ذلك لم ينتقض وضوءه” وأما عن الدليل الثالث، بأن بعض العلماء قالوا الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل، وعليه فلا يجب الوضوء إلا على من مس ذكره قاصدا مفضيا، ويجاب بأن إشتراط العمد فيه إشكال لأن معناه أنه حكم تكليفي، فإذا مسه عن طريق الخطأ لم ينتقض الوضوء، ويلزم من ذلك ألا ينتقض وضوء الصبي بمسه ذكره لأن عمد الصبي بمنزلة الخطأ، ولعدم توفر القصد الصحيح، والراجح عندي أن المس حكم وضعي.

 

فإذا كان مس الذكر مفسدا للطهارة إستوى فيه العمد والخطأ كباقي الأحداث، فكما أنه إذا خرجت منه ريح أو بول لم يفرق بين العامد وغيره، فكذلك مس الذكر، والله أعلم، وهذه خلاصة الأقوال في المسألة، وأدلة كل قول، وأجد القول الراجح في المسألة هو القول بوجوب الوضوء من مس الذكر، لضعف حديث طلق بن علي، وصحة الأحاديث الواردة في وجوب الوضوء من مس الذكر وكثرتها، والله أعلم، ويشترط في النقض بمس الذكر شرطان وهما الأول أن يكون مسه بالكف، وسبق ذكر دليله، والثاني أن يكون مسه بلا حائل، ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب الوضوء” وقال ابن حزم والماس على الثوب ليس ماسّا”

 

واعلموا يرحمكم الله أن الوضوء يستدعي بيان أمور في موجباته وهي خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد، والنوم الغالب على الحاستين تحقيقا أو تقديرا، والإستحاضة القليلة، وفي مس باطن الدبر وباطن الإحليل قولان، أظهرهما أنه لا ينقض، والأمر الثاني هو آداب الخلوة، والواجب ستر العورة، وكما يحرم إستقبال القبلة وإستدبارها، ومنها هو ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال سألته عن رجل مس فرج امرأته؟ قال “ليس عليه شئ وإن شاء غسل يده ” ومنها رواية معاوية بن عمار، قال سألت أبا عبد الله، عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة؟ فقال ” لا بأس به ” وقال الإمام ابن بابويه ينقض الوضوء، متمسكا برواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله سأل عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره؟

 

قال نقض وضوئه فإن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة، قطع الصلاة، فيتوضأ ويعيد الصلاة” والوجه أن يتنزه تفصيا من الخلاف وإحتياطا، ولأن الروايات الأول عامة تتناول الظاهر والباطن وهذه خاصة وإذا تعارض العام والخاص، يقدم الخاص، توفيقا بين الروايات والفتوى

على الأول.

شارك مع اصدقائك

عن دكتوره مرفت عبد القادر

شاهد أيضاً

عندما تخالط الوسوسة الفكرة

عدد المشاهدات 5371 135   بقلم / محمـــد الدكـــروري الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيما …