عقوق الوالدين… جريمة أخلاقية وإنسانية يكسوها الصمت
اسامه عبد الخالق
10 أغسطس، 2025
مقالات
500 717
بقلم : اسامة عبدالخالق عبدالقادر
نائب رئيس مجلس ادارة جريدة وموقع صدى مصر
في زمن أصبحت فيه الماديات تسود على المشاعر، باتت قلوب بعض الأبناء قاسية،
لا تهتز لدمعة أم ولا تنهار أمام تنهيدة أب مسن. عقوق الوالدين لم يعد مجرد تصرف
فردي، بل صار ظاهرة مقلقة تنخر في جسد الأسرة المصرية والعربية، خاصة حين
تتدخل أطراف خارجية، كزوجة الابن، لتحرض على قطع الصلة، وتزرع الفجوة بين الابن ووالديه.
تحريض خفي… ونتائج كارثية
قد تبدأ القصة بكلمات صغيرة من زوجة الابن، تدعو لابتعاد زوجها عن أهله بحجة أنهم
“يتدخلون” أو “يعيقون حياتهم”، ثم تتطور إلى مقاطعة كاملة، وحرمان الوالدين من
رؤية ابنهما أو أحفادهما، وتركهم وحيدين في مواجهة قسوة العمر والمرض.
بعض هذه الزوجات تمارس نوعًا من “العزل الاجتماعي” للأسرة الكبرى، بدافع الغيرة
أو السيطرة، فتنجح – مع ضعف شخصية الزوج – في قطع حبل الرحمة بينه وبين
من ربوه، حتى يصبح الابن غريبًا عن بيته الأول.
مآسي صامتة خلف الأبواب المغلقة
كم من أم مسنة جلست على سريرها ليالٍ طويلة تنتظر صوت جرس الباب،
علّ ابنها يدخل ويحتضنها، لكنه لا يأتي. كم من أب قضى أيامه مريضًا يبحث
عن كوب ماء، ولا يجد من يناوله إياه، لأن الابن الذي كان يجب أن يكون سندًا،
غاب تحت تأثير التحريض.
هذه المآسي ليست قصصًا من الخيال، بل حقائق تحدث يوميًا، وربما يموت
الوالد أو الوالدة دون أن يسمعوا كلمة “سامحيني” أو “سامحني”.
الدين والضمير… حكم صارم
الإسلام شدد على بر الوالدين وجعل عقوقهما من الكبائر. قال الله تعالى:
“وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا“. كما حذّر النبي ﷺ من أن
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، وجاء في الحديث: “رِضا الله في رِضا الوالد،
وسخط الله في سخط الوالد“.
ليس فقط الدين، بل الضمير الإنساني يصرخ بأن من يترك والديه الكبار في
السن وحيدين بلا رعاية، يرتكب جريمة أخلاقية وإنسانية، حتى وإن غطّاها بصمت المجتمع.
عندما يتحول المنزل إلى سجن صمت
العقوق لا يعني فقط السب أو الإهانة، بل يشمل الإهمال العاطفي، وترك
الوالدين في عزلة، وعدم السؤال عن أحوالهم. والأسوأ أن يصل الأمر إلى
منعهم من رؤية الأبناء والأحفاد، ما يزيد من ألم الوحدة ويُسرّع في انكسارهم النفسي والصحي.
كيف نواجه الظاهرة؟
-
التوعية الأسرية: ضرورة نشر الوعي بين الأزواج والزوجات حول قدسية
-
بر الوالدين وخطورة التحريض على القطيعة.
-
دور رجال الدين: تكثيف الخطب والدروس التي توضح عقوبة العقوق،
-
وفضل الإحسان إلى الوالدين.
-
القوانين: التفكير في سنّ تشريعات تحمي حقوق كبار السن وتلزم الأبناء برعايتهم.
-
التربية المبكرة: غرس قيمة البر في نفوس الأطفال منذ الصغر، ليكبروا
-
وهم يرون في الوالدين نعمة لا تعوض.
الآباء والأمهات لا يطلبون الكثير، فقط كلمة حانية، وابتسامة دافئة، وسؤالًا
صادقًا عن الحال. من ينسى فضل والديه، ويتركهما وحيدين في ظلام الوحدة،
يخسر بركة عمره قبل أن يخسر دعاءهما. فالوقت يمر، ومن يترك أمه وأباه اليوم،
قد يجد نفسه غدًا في نفس المقعد، ينتظر من يطرق بابه… ولا يأتي.